تقلبات الأسعار الحادة تعيد إلى الأسواق ذكريات 2008
بالنسبة إلى المخضرمين الذين عايشوا الأزمات المالية العالمية، كانت بداية يوم الأربعاء في نيويورك استرجاعا لحدث قديم مخيف. ففي غضون دقائق هوت العوائد على سندات الخزانة الأمريكية ـ التي تتحرك عكسيا مع الأسعار ـ إلى منخفض سحيق. ومثل هذه التحركات العجيبة نادرة للغاية. لقد كان الأمر كما لو أن التوترات المتزايدة في الأسواق العالمية عبرت عن نفسها فجأة. يقول إيزاك تشانغ، الرئيس العالمي للدخل الثابت في KCG: "تشعر وكأن الأشياء يمكن أن تتصدع حقا. لم نر ذلك لفترة طويلة".
كان "الانهيار الخاطف" في عوائد سندات الخزانة الأمريكية اللحظة الأشد توترا في الأسبوع الأكثر اضطرابا في الأسواق منذ أزمة منطقة اليورو. فقد تأرجحت أسعار الأسهم والسندات العالمية بشكل حاد، وانخفضت أسعار النفط، واتسعت "الفروق" بين تكاليف الاقتراض الحكومي في البلدان الأضعف في منطقة اليورو وألمانيا.
وبحلول نهاية الأسبوع عاد الهدوء نسبيا - بفضل تلميحات من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ومسؤولي بنك إنجلترا مفادها أن محافظي البنوك المركزية يمكن أن يؤخروا أي تشديد في السياسة النقدية. ومع ذلك تحولت معنويات السوق بشكل حاسم، مع خشية المستثمرين من أن الأسواق قد أساءت تسعير الآفاق الاقتصادية العالمية، وأن النظام المالي لا يزال عرضة للاختلال.
وقال إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين في يوني كريديت: "كنا بالتأكيد في منطقة خطرة - كانت الأسهم مرتفعة، وكانت الفروق ضئيلة - لكن ما حدث (يوم الأربعاء) كان شيئا استثنائيا". وأضاف: "لم أر أبدا تحركات تذهب وتأتي في مثل هذا الوقت القصير".
وعلى خلفية التوتر كان هناك اشتباك عنيف في وجهات النظر بين مستثمري الأسهم والسندات العالميين. فخلال جزء كبير من هذا العام كانت الأسهم قد ارتفعت وسط آمال بانتعاش اقتصادي عالمي، مع "تطبيع" الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية الأمريكية في العام المقبل. لكن انخفاض العائد على السندات الحكومية الأمريكية والبريطانية والألمانية الآمنة قدم حكاية مختلفة – حول تباطؤ النمو والتضخم المنخفض ومحاصرة محافظي البنوك المركزية في قبضة أسعار فائدة منخفضة لفترة أطول.
كان المتشائمون في سوق السندات الأسبوع الماضي هم الذين أثبتوا صحة ذلك. في الواقع تلقت الأسواق "صدمة نمو" في الوقت الذي أصيب فيه المستثمرون بالدوار من جراء مزيج سام يتألف من تخفيض الآفاق الاقتصادية من صندوق النقد الدولي في واشنطن الأسبوع الماضي، وشعور بالقلق إزاء الصين، وانخفاض معدلات التضخم، وتعطل النشاط في الاقتصاد الألماني، ومخاوف في الولايات المتحدة بشأن تأثير قوة الدولار.
وما أدى إلى تفاقم الجيشان هو رد فعل المستثمرين الذين علِقوا بهذا التحول المفاجئ في المزاج العام. وكانت نقطة التحول يوم الأربعاء عندما انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى ما دون 2 في المائة. وتسبب هذا الخلل، في النهاية، في استسلام كثير ممن يراهنون على ارتفاع العوائد – وهو ما أدى إلى انخفاض العوائد إلى أقل من ذلك. وألقت المصارف باللوم على الأجهزة المنظمة في الحد من السيولة في السوق وتكثيف التدافع. وبدلا من ذلك، تداول المستثمرون في أسواق العقود الآجلة؛ قالت مجموعة CME إن حجم التداول اليومي في المشتقات بلغ 39.6 مليون عقد - وهو أعلى معدل في تاريخها البالغ 166 عاما.
وثمة قلق عالمي أوسع يتمثل في المخاطر التي تواجه أوروبا القارية. وكانت أسهم منطقة اليورو من بين الأسهم الأسوأ أداء الأسبوع الماضي، بينما شهدت صناديق الأسهم الأوروبية تدفقات خارجة قياسية خلال الأسبوع، وفقا لبيانات آي بي إف آر. وقد انهارت توقعات السوق بشأن معدلات التضخم في منطقة اليورو على المدى الطويل، ما يسلط الضوء على فقدان الثقة بقدرة ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، على تجنب الانزلاق إلى الانكماش.
وقال نيلسن: "بعد لقاءات صندوق النقد الدولي، الناس قلقون بشكل خاص بشأن أوروبا". وتابع: "هناك شعور يتسلل بأن دراجي وعد بما هو أكثر مما كان يمكن أن يحققه - خاصة أن الألمان لن يكونوا مع أي تسهيل مالي".
وأشارت ألمانيا أيضا إلى معارضتها الكاملة للتسهيل الكمي في منطقة اليورو، أو شراء السندات الحكومية. وبحسب نيخيل سرينيفاسان، كبير مديري الاستثمار في شركة جنرالي الإيطالية للتأمين: "في أوروبا يعتبر حدوث التصحيح أمرا جيدا لأنه يذكر الناس بأنه ليس كل شيء يسير على نحو رائع". وأضاف: "إنه أمر يذكّر الاتحاد الأوروبي بأن عليه بذل مزيد من الجهد من أجل الدول الأضعف. لا يمكننا افتراض أن كل شيء يسير على ما يرام - لأن الأمر لن يكون كذلك إذا لم نعمل بالتناغم فيما بيننا".
وبما أن معدلات كره المخاطرة ارتفعت، شهدت اليونان تكاليف الاقتراض لأجل عشر سنوات ترتفع فوق 9 في المائة - وهو مستوى يعتبر غير مستدام، إذا كانت البلاد التي ضربتها الأزمة تمول نفسها. وانتشرت الضغوط في جميع أنحاء منطقة اليورو "الطرفية". وشهدت إيطاليا وإسبانيا أيضا ارتفاعا في عائدات السندات. وقال تيبو كولي، استراتيجي الائتمان في بنك يو بي إس، محذرا: "بالنسبة إلى الشهر المقبل أرى المزيد من المحفزات لسيناريو الهبوط". وأضاف: "إلا إذا كنت من أشد المؤمنين في حدوث التسهيل الكمي السيادي للبنك المركزي الأوروبي عاجلا وليس آجلا، وأنا لا أعتقد أن هناك سببا للمشاركة بقوة في البلدان الطرفية".
وحتى بعد التدخل اللفظي للبنك المركزي الأسبوع الماضي – ملمحا إلى أن تسهيلا كميا جديدا من الاحتياطي الفيدرالي أمر ممكن وأن ارتفاع سعر الفائدة سيتأخر - ليس من الواضح أن المشاعر ستتغير قريبا في الولايات المتحدة أيضا. وفي ظل غياب البيانات الاقتصادية الأمريكية التي تعززها ثقة كبيرة، سيتركز الاهتمام على أرباح الربع الثالث للشركات. وفي الوقت نفسه خفضت الأسواق الأسبوع الماضي توقعات أسعار الفائدة لعام 2015. فالتوقعات بشأن العائد على سندات الخزانة الأمريكية لمدة عامين - التي تتبع بشكل وثيق التوقعات بشأن تكاليف الاقتراض الرسمية - انخفضت من 55 نقطة أساس في بداية تشرين الأول (أكتوبر) إلى 35 نقطة أساس. وقال مايكل كاستنر، مدير إدارة هاليارد لإدارة الأصول: "هناك رأي مفاده أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيفقد أعصابه نظرا لتقلبات السوق".
وكان محافظو البنوك المركزية قد أضاعوا بالفعل ثقة الأسواق الكاملة قبل هذا الأسبوع، والآن بدأوا يشعرون بالرهبة منها.
( فايننشال تايمز 2014-10-20 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews