أسواق النفط العالمية تشعر بوطأة الصخر الزيتي

الضعف الحالي في أساسيات أسواق النفط العالمية يمكن أن يفسر إلى حد كبير نتيجة نمو إمدادات النفط الخام الخفيف ـ الحلو من موارد الصخر الزيتي في الولايات المتحدة. لكن تأثير هذا الارتفاع في الأسواق العالمية أخذ بعض الوقت ليصبح واضحا، وذلك بسبب استمرار الحظر المفروض على صادرات النفط الخام الأمريكي، على النقيض من الحرية في تصدير المنتجات. وتزامن الارتفاع السريع في إنتاج النفط الأمريكي أيضا مع العديد من الانقطاعات في الإنتاج العالمي خلال السنوات الأربع الماضية، وتركزت التوقفات في اليمن، سورية، السودان/ جنوب السودان، إيران، ليبيا ونيجيريا، هذه الانقطاعات عملت على كتم تأثير الصخر الزيتي. مع تعويض هذه الانقطاعات بشكل فعال من أماكن أخرى، بدأ النفط الخام الأمريكي يضغط بوضوح على ميزان العرض والطلب العالمي، ما أدى إلى تغيير المفاهيم السابقة التي كانت معظمها تعتقد أن طفرة الصخر الزيتي هي شأن أمريكي داخلي يخص الأسواق المحلية فقط.

العلامة الأكثر وضوحا في هذا الفائض في الإمدادات هي الخصومات الواضحة على أسعار العقود الآجلة لخام برنت التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة. لقد أدت انقطاعات الإنتاج العالمية إلى إزاحة نحو 3.0 مليون برميل في اليوم من الأسواق العالمية منذ بداية عام 2011، في حين إن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام ارتفع بنحو 3.0 مليون برميل في اليوم خلال الفترة نفسها، إضافة إلى مليون برميل في اليوم من المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي. لقد تغير قليلا مستوى الانقطاعات العالمية عن العام الماضي أو نحو ذلك، لكن استمر إنتاج الولايات المتحدة بالنمو، حيث وصل إنتاجها الكلي من النفط الخام، المكثفات، سوائل الغاز الطبيعي، الوقود الحيوي وربح المصافي إلى 13.0 مليون برميل في اليوم في آب (أغسطس) الماضي. وفي عام 2015 من المرجح أن ينمو الإنتاج الأمريكي الكلي من السوائل بنحو 1.8 مليون برميل في اليوم، حسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

إن ارتفاع الإنتاج الأمريكي أثر بصورة خاصة في أسواق النفط الخام في حوض المحيط الأطلسي، حيث إن الفائض الحالي من النفط الخام الخفيف ـ الحلو أزاح نحو 2.0 مليون برميل في اليوم من واردات النفط الخام الأمريكي على مدى السنوات الأربع الماضية. مع تعطل الإمدادات من ليبيا وأماكن أخرى من العالم، النفط الذي كان يصدر إلى الولايات المتحدة وجد له أسواقا بديلة لاستيعابه بسهولة كافية حتى الآن. لكن قسما كبيرا من خام حوض المحيط الأطلسي، معظمه من نيجيريا، في حاجة ماسة الآن لإيجاد أسواق دائمة جديدة له.

تواجه نيجيريا الآن متاعب في بيع نفطها الخام الخفيف الفائض، وسياستها في منح التجار المحليين عديمي الخبرة عقود تصدير مقابل امتيازات مالية جعلت من الصعب تأمين أسواق جديدة. وتعد الأسواق الآسيوية الوجهة الواضحة للنفط النيجيري، لكنها بالفعل تستوعب كميات نفط كبيرة من منتجين آخرين.

هذه التطورات في أسواق حوض المحيط الأطلسي انعكست سلبا على خام برنت، ما أدى إلى تعميق حالة "الكونتانجو" Contango لعقود خام برنت الآنية، أي أن أسعار العقود المستقبلية "الآجلة" أعلى من الأسعار الفورية، حيث تم تداول عقود خام برنت الفورية بخصم دولارين للبرميل عن أسعار العقود الآجلة.

ما يعزز هذا الاتجاه هو أن أسعار الخام الحلو من كازاخستان الآن في أسواق البحر المتوسط أرخص من أسعار تداول نفط الأورال الحامضي الروسي. منذ عام 2011، خفضت الولايات المتحدة وارداتها من النفط الخام الحلو من نيجيريا بنحو 700 ألف برميل في اليوم، 300 ألف برميل في اليوم من الجزائر و200 ألف برميل في اليوم من أنجولا.

مع تنامي تصدير فائض النفط الخام الخفيف إلى الأسواق الآسيوية، الكميات الإضافية من فائض حوض الأطلسي يمكن أن تبدأ بتشكيل ضغوط على المدى الطويل على الموردين في الشرق الأوسط والخليج في أسواقهم الأساسية - آسيا.

من علامات التحذير المبكرة لهذا التهديد هو تقلص الفجوة بين أسعار الخام الحلو والخام الحامضي، حيث أصبح الخام الحلو أكثر جاذبية للمشترين.

نظرا للاختلافات الكبيرة بين نوعية النفوط المتاحة في حوض الأطلسي والنفط المتوسط - الحامضي المهيمن على إنتاج الشرق الأوسط، فهي ليست بدائل جاهزة، ما يحد من المنافسة المباشرة بينهما. لكن مع تقلص الفجوة بين أسعار الخام الحلو والخام الحامضي يشير إلى أن الضغوط تتزايد على نفوط حوض الأطلسي لإيجاد منافذ إلى الأسواق الآسيوية. الفرق بين أسعار نفط بحر الشمال برنت وأسعار خام دبي تقلص من أربعة إلى خمسة دولارات للبرميل في أوائل حزيران (يونيو) إلى بضع سنتات في نهاية آب (أغسطس) الماضي.

أسواق المنتجات المكررة هي أيضا تحت ضغط من التحولات التي شهدتها أنشطة المنبع في الولايات المتحدة، التي عززت بصورة كبيرة كمية المنتجات الأمريكية التي يتم تصديرها. حيث لا توجد قيود على صادرات الولايات المتحدة من المنتجات التي وصلت الآن إلى 3.7 مليون برميل في اليوم ارتفاعا من 2.9 مليون برميل في اليوم في عام 2011.

إن التدفق المتزايد للمنتجات الأمريكية كان له أثر سلبي كبير في أداء المصافي في أمريكا اللاتينية وأوروبا، حيث إن أكثر صادرات الولايات المتحدة تذهب إلى هناك. كونها تلعب دور المورد الهامشي Marginal للمنتجات، تحدد الولايات المتحدة على نحو متزايد أسعار البنزين والديزل في أسواق حوض الأطلسي، ما يؤثر في اقتصاديات صناعة التكرير لمنطقة الحوض بأسرها. على سبيل المثال، لقد توقفت استثمارات المصافي في أمريكا اللاتينية الآن ذلك أن وقود الديزل والبنزين متوافر بيسر من الولايات المتحدة. في أوروبا، تضررت صناعة التكرير أيضا، حيث إن الولايات المتحدة قللت من استيراد البنزين الفائض في أوروبا وفي الوقت نفسه كثفت من صادراتها من وقود الديزل إلى أوروبا. المصافي الأوروبية هي بالفعل في تراجع بنيوي بسبب انخفاض الطلب وضعف هوامش الأرباح، حيث إن معدل التشغيل في تموز (يوليو) كان أقل بأكثر من مليون برميل في اليوم من الشهر نفسه من العام الماضي.

( الاقتصادية 2014-09-11 )