خفايا العدوان على غزة !
عندما تضع إسرائيل الضفة الغربية كلها تحت بساطير الإحتلال مرة تلو المرة ، بما فيها المناطق الخاضعة للسلطة ، وهذه ليست آخرها ، وعندما يقول الإعلام الإسرائيلي بأن الأمن الفلسطيني تلقى أمرا بارتداء الزي المدني لكي لا يتعرض للقتل ، وتمت الموافقة رسميا على ذلك ، وعندما يكون الموقف السياسي الرسمي في السلطة الفلسطينية : " لا انتفاضات جديدة " فإن فلسطين برمتها تصبح في خطر لم يسبق أن مرت به منذ احتلالها .
ولكي لا يقال : إننا متحاملون ، فإننا نكتفي بما صرح به القيادي الفلسطيني الفتحاوي عباس زكي حينما اعتبر أن موقف فتح مخز وعار على الحركة في هذا الظرف الذي تمر به غزة ، وكذلك فعلت قيادات أخرى ترفض الموقف الرسمي الفلسطيني الذي يرى أن " وقف العنف " بين الطرفين أمر حيوي لإعادة " الهدوء " ، وأن شروط المقاومة في القطاع " غير ضرورية " !.
ولعل ما يستفزك ، أن السلطة الفلسطينية لم توقع على ميثاق روما حتى الآن ، رغم أن باستطاعتها فعل ذلك في يومين ، وليس كما يشيع مبررو هذا التلكؤ المريب.
وبينما تكتوي غزة بالنار وتئن تحت القصف ، يعلن مصدر فلسطيني في الجامعة العربية السبت بأن وزراء خارجية الدول العربية سيجتمعون الإثنين للنظر في ما يمكن عمله ، أي بعد أن يكون عدد الشهداء وصل المئات والجرحى الآلاف ، وبعد أن تكون البيوت قد سويت بالأرض ، وإذا ما استمر الأمر على هذا الإيقاع ، فإن أي اجتماع لوزراء الخارجية أو لقمة مفترضة حتى ، لن يتعدى الشجب والإستنكار والكلام الفارغ :
ففي الوقت الذي تدك به غزة ، يذهب وزير خارجية مصر إلى بغداد لإعلان تضامنه مع المالكي في وجه ثورة المحافظات السنية ، عارضا المساعدة : يحدث ذلك بالتزامن مع إغلاق معبر رفح في وجه الجرحى وفي وجه المساعدات الطبية والغذائية.
فات كثيرين ، أن الهدف الإستراتيجي لنتنياهو من حربه الشعواء على غزة هو إنهاء المقاومة عسكريا من خلال نفاد مخزونها العسكري من صواريخ وغيرها ، ولم أفاجأ بتصريح توني بلير ، أحد أهم حلفاء بوش الإبن ، والذي قال السبت : إن إسرائيل لن تستطيع القضاء على حماس سياسيا ، اي أنه همس " بزلة لسان ربما " عن أهداف هذا العدوان الذي يريد أن يقضي على حماس " العسكرية " طالما أن حماس " السياسية أو الحزب السياسي " لا غبار عليه ، وهو حلم تمناه كل القادة الإسرائيليين ، بينما يتمثل الهدف الثاني من هذه الحرب في ضرب المصالحة الفلسطينية ، وأخشى ما أخشاه ، أن تكون أولى علامات النجاح بدأت منذ إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن شروط المقاومة لوقف النار غير ضرورية ، في دعوة لإعادة الهدوء ووقف القصف من قبل إسرائيل والصواريخ من قبل غزة ، وهو تطبيق جديد لنظرية " الأمن مقابل الأمن " بينما تذهب أرواح الشهداء ودماء الجرحى وهدم البيوت سدى في مهب النسيان ، وسرعان ما ستعود حليمة لعادتها القديمة ، وتقصف غزة من جديد لأتفه الأسباب ، وهو ما لا تقبله الفصائل المقاتلة في غزة لكونه لا يحقق شروطها وعلى رأسها فتح المعابر وإطلاق سراح الأسرى الذين أعاد الإحتلال اعتقالهم في صفقة شاليط ، والأول يظل أملا بعيد المنال في ظل ما شاهدناه في معبر رفح في اليومين السالفين .
إن أي هزة في العلاقة بين حماس والسلطة والعودة إلى الإنقسام يعتبر نصرا مؤزرا لنتنياهو الذي سينظر إليه الإسرائيليون على أنه " بطل " داهية ، أبدع في اختلاق قصة الجنود الثلاثة ، وإلصاقها بحماس ، وبالتالي أوجد ذريعة لضرب غزة ، والنتيجة تحقيق الهدف الأسمى : وهو القضاء - أو في أسوأ الظروف - إضعاف القسام وسرايا القدس ، وإرجاع الإنقسام إلى سابق عهده ، في ظل حصار شديد للغزيين بمساعدة " الحلفاء " المصريين ، وحصد شعبية طاغية ، وهنا يتحقق الهدفان : الأول لإسرائيل ، وهو إنهاء حماس وبالتالي فرض تسوية برؤية إسرائيلية خالصة ، والثاني للسيسي وهو القضاء على ذراع الإخوان العسكري ، حيث إن حلقة القضاء على الإخوان في مصر لن تكتمل إلا بالقضاء على هذا الذراع في غزة .
إن الحقيقة المطلقة التي لا يفهمها المتآمرون على القضية الفلسطينية : أن فلسطين ليست حماس ولا فتح ، وليست عباس ولا السيسي أو نتنياهو ، إنما هي شعب يصل تعداده إلى خمسة عشر مليونا في الداخل والشتات.
أبيدوا هذه الملايين أولا ، و " هَلوِسُوا " كيف شئتم ، ولكن : فلتعلموا أن أهدافكم ليست سوى أضغاث أحلام سرعان ما تبددها اليقظة .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews