توقعات مؤلمة للعالم مع تشديد السياسة النقدية في الصين
حتى عهد قريب كان بنك التنمية الصيني، وإلى حد أقل بنك الصادرات والواردات الصيني، من أفضل الأصدقاء في تاريخ الأسواق الناشئة. كانا يقرضان المال للشركات والحكومات في أماكن لم يكن رأس المال متوافراً فيها بكثرة، وكانت مدة الدين فيها قصيرة، والتكلفة مرتفعة. ولقد ساعدا شركات مثل بتروبراس في البرازيل إلى شركات الاتصالات في بنجلاديش والهند، وحتى الحكومات في بلدان إفريقيا وأمريكا اللاتينية، على الحصول على التمويل.
فضلاً عن ذلك، حين كان المقترضون يواجهون الصعوبات، كانا من أكثر المصارف صبراً، فكانا غير راغبين في الاستيلاء على الرهان، وراغبين في تمديد القروض أكثر من المصارف الغربية.
هذان المصرفان (وهما من أدوات السياسة الاقتصادية الصينية) يتراجعان الآن. في الوقت الذي تضغط فيه حكومة بكين على مصارفها بشكل عام، يتم تشديد القروض من البر الصيني، إلى الداخل والخارج. وفي الوقت الذي تستمر فيه التكهنات حول الانسحاب التدريجي من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن هذا الانسحاب يحدث الآن في الصين، وعلى نحو ضخم. وستكون عواقب ذلك مؤلمة بالنسبة لبقية العالم.
كانت العادة هي زيارة مستشار خارجي واحد لبنك التنمية الصيني مرة واحدة كل أسبوع لمراجعة نحو خمسة إلى ستة مشاريع دولية. ثم يسافر إلى الخارج بصبحة الرئيس السابق للبنك، تشين يوان، حتى السنة الماضية، ويستقبَل مثل كبار الشخصيات في كل مكان. هذا ما توقف الآن. تشير حسابات هذا المستشار بخصوص بنك التنمية، إلى أن "حجم القروض الدولية تراجع بنسبة كبيرة تصل إلى 50 في المائة".
إلى حد ما يعتبر التباطؤ علامة على ارتفاع الحصافة في الإقراض، نتيجة لتحسن تقييم المشاريع. كذلك أصبح المصرفان أقل تسامحاً. وبدلاً من الإبلاغ عن المقترض على أنه ضمن مطلوبات السنة المالية الحالية وتحصيل مبالغ فائدة رمزية، بدأ المصرفان الآن التصرف على نحو تجاري.
إنهما يعلنان أن المقترض أصبح عاجزاً عن السداد، ثم يستحوذان على الأصول التي تدعم القروض، ويبيعان هذه الأصول في الأسواق الدولية، حيث يستطيعان الحصول على مبالغ أكثر مما هي في الصين نفسها.
هناك علامات أخرى على التشدد. على سبيل المثال، يقول مصرفي في هونج كونج "إن المصارف الصينية تطلب من المصارف الأجنبية أن تلعب دوراً أكبر في تمويل الصادرات الصينية، على اعتبار أنها تفتقر إلى السيولة لذلك (رغم أن المصارف الصينية ستقدم ضمانة للمصارف الأجنبية على التعامل). لا توجد رغبة كبيرة لدى كثير من المصارف الدولية على المخاطرة بذلك لأنها تشعر بالتوتر حول ارتفاع مخاطر الأطراف التعاقدية المقابلة على المؤسسات المالية الصينية، خصوصاً المؤسسات التي تقع دون مستوى المصارف الكبرى المملوكة للدولة.
بالنسبة للمصارف الصينية أنفسها، هذا التراجع في النطاق ربما يكون جيداً. بالنسبة للمقترضين في الأسواق الناشئة ليس مناسباً – خصوصاً حين يقترن مع اتجاهات عامة أخرى خارج الصين.
في الوقت نفسه، تصعّب القوانين التنظيمية في البلدان المتقدمة الآن على المصارف الدولية الكبيرة، مثل سيتي جروب وجيه بي مورجان وHSBC، أن تكون نشطة مثلما كانت عليه من حيث تحويل الأموال إلى الأجزاء الفقيرة ائتمانياً في العالم.
على سبيل المثال، أنهى HSBC علاقاته مع نحو 500 مصرف مراسل بالضبط في تلك الأجزاء من العالم التي تحتاج أكثر ما يمكن إلى رأس المال. السبب في ذلك هو أن الأجهزة التنظيمية تقتضي من المصارف ليس معرفة زبائنها فحسب، بل في هذه الحالات أن تعرف من هم زبائن زبائنها.
بالنظر إلى الصعوبات العملية في تنفيذ هذه التعليمات، من الأبسط الخروج من هذه الأعمال. ينطبق الشيء نفسه على المصارف المنافسة الكبيرة، مثل جيه بي مورجان وستاندارد تشارترد. المصارف نفسها عازفة عن الحديث حول هذا الموضوع حتى لا تجر على نفسها غضب الأجهزة التنظيمية، والضغط من البلدان التي تنسحب منها.
هذه المخاوف حول غسل الأمول والحركات المالية للنشاطات الإرهابية هي التي أدت إلى تشديد الضغط على هذه المصارف الدولية. عواقب ذلك هي تدفق أموال أقل من الخارج إلى أجزاء في العالم، لديها حاجة ماسة إلى المال إذا أرادت التنمية للخروج من الفقر.
هذه العواقب قاسية بصورة خاصة لأن الأغنياء في البلدان الفقيرة سيستطيعون دائماً الاستفادة من الخدمات المالية. الفقراء هم الذين سيكونون ضحايا هذه السياسات التي لا تقصد أن تكون ضارة.
على مستوى الاقتصاد الكلي إلى جانب المستوى المالي، ستكون الصين أيضاً أقل مساندة من قبل. تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الصين إلى 1.4 في المائة من ربع لربع خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في آذار (مارس)، وفقاً لبيانات حكومية نشرت الأسبوع الماضي، في حين إن الواردات ارتفعت بنسبة 1.6 في المائة عن الفترة نفسها، مقارنة بالسنة الماضية. وفي آذار (مارس) تراجعت الواردات بنسبة 11.3 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من 2013.
كل هذا يشير إلى أن من المرجح أن يتراجع الدور الصيني في المستقبل كمحرك للنمو العالمي، خصوصاً بالنسبة للأسواق الناشئة. وكلما ازداد التشدد والتباطؤ في الصين، كان ذلك أسوأ بالنسبة لبقية العالم. حتى الآن لم تظهر بدائل ممكنة – وربما لا توجد مثل هذه البدائل.
( فايننشال تايمز 25/4/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews