رفع الفائدة الأمريكية يوفر الغطاء لتطبيع السياسة النقدية البريطانية

هل يُمكنك أن تتذكر الحياة قبل جهاز الآيفون؟ المُنتج "الثوري والسحري" عُرِض للبيع أول مرة في تموز (يوليو) 2007. هذا يبدو منذ زمن طويل الآن. فمنذ ذلك الحين تم تنظيم دورتين للألعاب الأولمبية. لكن ذلك الشهر كان مهماً لسبب آخر: كان المرة الأخيرة التي ارتفعت فيها أسعار الفائدة الأساسية في بنك إنجلترا.

أعتقد أننا قريبون جداً من الوقت الذي ينبغي أن ترتفع فيه مرة أخرى. أنا أعرف أن هناك كثيرا من الأسباب الوجيهة لتوخّي الحذر في هذا الشأن.

البنوك المركزية في أماكن أخرى في أوروبا، خاصة في الدول الاسكندنافية، سارعت لرفع أسعار الفائدة فقط لتعود وتخفضها مرة أخرى. السويد التي خفضتها في عام 2011، تطبق الآن أسعار فائدة رسمية سلبية (ولديها فقاعة عقارات متنامية). هنا في المملكة المتحدة، النمو الاقتصادي غير منتظم على أقل تقدير. تماماً في الأسبوع الماضي، أظهرت البيانات أن معدل البطالة ارتفع في حزيران (يونيو) ووتيرة نمو الأجور تباطأت.

كثير من الاقتصادات الكبيرة، منها اقتصاد المملكة المتحدة، تبقى قريبة بشكل خطير من الانكماش، على الأقل من حيث الأسعار الاستهلاكية (على الرغم من أن أسعار الأصول هي مسألة أخرى تماماً). قرار الصين الأخير بتخفيض قيمة عملتها سيعمل على تصدير مزيد من انكماش الأسعار إلى البلدان الاستهلاكية التي عليها ديون، مثل المملكة المتحدة.

هناك مدرسة فكرية تقول "إن التعامل مع المشكلات التي يُسبّبها انخفاض أسعار الفائدة أسهل بكثير من التعافي من خطأ رفع أسعار الفائدة قبل الأوان وإيصال الاقتصاد إلى الانكماش".

ارتفاع أسعار الفائدة سيعمل أيضاً على زيادة التكاليف: بالنسبة إلى أصحاب المنازل الذين عليهم قروض عقارية، والمستهلكين ذوي الديون الشخصية، والشركات، وبشكل غير مباشر الحكومة، التي يجب أن تجد عشرات المليارات كل عام لدفع الفوائد على السندات السيادية. ويعمل كذلك على تعزيز الجنيه الاسترليني - وهو أمر سيئ بالنسبة إلى المُصدّرين.

لكن كل شيء نسبي. سعر الفائدة في أحد المصارف بنسبة تبلغ مثلاً 0.75 في المائة من شأنه أن يعتبر منخفضاً للغاية حسب المعايير التاريخية. مارتن ويل، العضو في لجنة السياسة النقدية، أشار إلى احتمال وجود عدد لا بأس به من الشركات في المملكة المتحدة التي تُعتبر قابلة للحياة مع سعر فائدة يبلغ 0.5 في المائة، لكنها ستعاني سعر فائدة يبلغ 0.75 في المائة.

علاوة على ذلك، أسعار الفائدة المنخفضة على الودائع تعمل على تشويه السلوك. فقد أجبرت المُدّخرين على أن يُصبحوا مستثمرين. أولئك الذين كانوا قانعين بترك بعض، أو جميع أموالهم في أحد المصارف، أو في حساب إحدى الجمعيات العقارية، تم دفعهم نحو نشاطات ذات مخاطر أعلى - من صناديق السندات والأسهم، إلى إقراض النظير للنظير، والتمويل الجماعي على الإنترنت، إلى "السندات الصغيرة"، إلى شراء العقارات من أجل تأجيرها.

حتى الآن، هذا كان له قليل من العواقب السلبية لأن أسعار معظم الأصول ارتفعت، مدفوعة بمطاردة المستثمرين عوائد أعلى لا يُمكنهم الحصول عليها عن طريق الادّخارات (بالمناسبة، أسهم شركة أبل ارتفعت أكثر من 500 في المائة منذ يوليو 2007). لكن الأوقات الجيدة لن تدوم إلى الأبد - وكما أشار مايكه كوري في مجلة "إف تي موني" FT Money الأسبوع الماضي، فإن كثيرا من الاستثمارات التي يتم تسويقها لمُطاردي العوائد تحمل في طيّاتها مخاطر سيولة كبيرة. فبإمكانك إخراج أموالك من أي حساب ادّخار في أي وقت تشاء، لكن بيع عقار يتطلب منك شهوراً.

حاولت السلطات تخفيف الآثار الجانبية الأسوأ لانخفاض أسعار الفائدة - عن طريق الحدّ من القروض العقارية عالية المخاطر، ووضع برامج لمساعدة المشترين لأول مرة مع ارتفاع تكلفة الإسكان، وإطلاق منتجات للمُدّخرين من كبار السن، المتعطّشين للعوائد. لكن على الرغم من النوايا الحسنة لهذه المبادرات، إلا أنها تضيف فقط طبقة أخرى من التشويه لما ينبغي أن يكون سوقا حرة. هناك هدف آخر لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية (وبرنامج التسهيل الكمي) هو تجنّب خطر تجميد النظام المالي. هذا الهدف تحقّق. وكان المقصود بها أيضاً تشجيع الاستثمار على المدى الطويل. هنا، الأدلة أقل وضوحاً. كثير من الشركات، خاصة في الولايات المتحدة، استفادت من الديون الرخيصة جداً - حيث بإمكانها تعويض الفائدة مقابل الضريبة على أي حال - من خلال إعادة شراء أسهمها. الهندسة المالية أخذت الأسبقية على الاستثمار.

أخيراً، هناك زاوية التمويل السلوكي. البشر لديهم ميل طبيعي لأن ينسبوا أهمية أكبر للأشياء التي حدثت أخيرا، أكثر من الأهمية التي ينسبونها لأحداث الماضي البعيد التي تبدو ضبابية. لذلك كلما استمرت أسعار الفائدة القريبة من الصفر لمدة أطول، أصبح ذلك أكثر كأنه القاعدة. في الأسبوع الماضي جاء على لسان مُدير كبير في أحد المصارف الاستثمارية أن كثيرا من الموظفين الشباب في قاعة التداول الخاصة به لم يشهدوا أي رفع لأسعار الفائدة في حياتهم الراشدة.

عودة إلى عام 2009، عندما كان نظام الإقراض بين المصارف على وشك التجميد، كان من المناسب تماماً بالنسبة إلى البنوك المركزية في أنحاء العالم كافة إرسال رسالة مفادها أنها تقف بقوة وراء النظام المالي. بعد ستة أعوام، وأقوال من مُحافظي البنك المركزية من قبيل "كل ما يلزم" و"طالما كان ذلك ضرورياً"، يتم أخذها على نحو متزايد على أنها تعني أن أسعار الفائدة ستبقى منخفضة جداً إلى أجل غير مُسمّى من أجل دعم الأسواق المالية. في أواخر التسعينيات، أُطلِق على هذا الوضع مُصطلح "وضع جرينسبان"، على اسم رئيس مجلس إدارة البنك المركزي الأمريكي في ذلك الحين. لكن في هذه الأيام "الخطر الأخلاقي" قد يكون وصفاً أفضل. من المرجح أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الإقراض الرئيسية (لأول مرة منذ عام 2006) هذا العام - ربما الشهر المقبل. سيكون ذلك رفع أسعار الفائدة الأكثر انتشاراً عبر وسائل الإعلام، والأكثر تداولا في أحاديث الناس على الإطلاق. ذلك الحدث يمنح مسؤولي البنك المركزي في المملكة المتحدة الغطاء الذي يحتاجون إليه لبدء عملية تدريجية لاستعادة السياسة النقدية الطبيعية. لذلك ينبغي لهم اتخاذ هذه الخطوة الجريئة.

(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-08-22)