إيران لا تريد تقديم تنازلات بشأن الحجاب وغير قادرة على الوقوف أمام التغيير

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً لمراسلتها في طهران نجمة بوزرجمهر قالت فيه إن النقاش حول الحجاب يثير قلق المتديّنين المحافظين.
وقالت زهرة، التي تخرجت من كلية العمارة، إن منظر النساء من دون حجاب في شوارع العاصمة طهران “أوجع قلبي”، وقالت إنها تخشى من أن تحدي النساء للزي العام قد يؤدي إلى تخفيف المعايير وزرع الانقسام في المجتمع، وتآكل جوهر الهوية الإيرانية. وأضافت زهرة (37 عاماً)، وهي من سكان طهران، وكانت ترتدي حجاباً قرمزياً: “لقد أُضعِف الإسلام، ويجب أن نظهِر أن هذا بلدٌ مسلم”، و”علينا أن نضع حداً لهذا”. وأضافت أن “الكلمات والنظرات الغاضبة” من الآخرين لا تعمل إلا على تهميش المتدينين الإيرانيين، و”لكن هناك حاجة لأن نشعر بالأمن ونحقق التقدم ونشعر بأننا جزء من هذا المجتمع”.
وأصبح قانون الحجاب على المرأة بأن تغطي رأسها وجسمها في الأماكن العامة، بمثابة مانعة الصواعق في بلد يعاني من المصاعب الاقتصادية. فقد ارتفعت الأسعار منذ عام 2018، في الوقت الذي فرضت فيه الولايات المتحدة عقوبات بشأن البرنامج النووي، والتي خنقت الاقتصاد ورفعت معدلات البطالة بنسبة 45.8%، إلى جانب الغضب العام من الفساد المستشري. وعانت الجمهورية الإسلامية من حالة اضطرابات استمرت لعدة أشهر، وبدأت احتجاجاً على مقتل الشابة مهسا أميني (22 عاماً)، في نهاية أيلول/ سبتمبر، وبعد اعتقالها لأنها لم تلتزم بقيود اللباس الديني.
واندلعت التظاهرات الجماهيرية في كل أنحاء إيران، حيث رفضت نساء ارتداء الحجاب، وطالبن بتغيير النظام واستبداله بنظام ديمقراطي علماني.
ومات المئات نتيجة للاضطرابات والقمع اللاحق الذي مارسته الحكومة. ولكن القيادة، القلقة من خسارة دعم القاعدة الدينية التي تمثّل عصبَ النظام، رفضت الاعتراف بأي تنازل.
ومنذ بدء الاحتجاجات تعهّدَ مسؤولو الحكومة بعدم تقديم أي تنازل. ومع أن النساء غير المتحجبات يسرن في الشوارع والأماكن العامة من دون أن يواجَهن بقوات الأمن، إلا أن الأماكن السياحية المعروفة، ومطاعم ومحلات، تلقّت تحذيرات بالإغلاق لو قدمت لهن خدمات. وتلقى أصحاب السيارات رسائل نصية من الشرطة تحذّرهم من مصادرة سياراتهم لو قادت نساء السيارات، أو كنّ من الركاب من دون حجاب.
وتم استدعاء خمس ممثلات شهيرات إلى القضاء لمشاركتهن بمناسبات عامة من دون حجاب. وفي الوقت نفسه انتشرت لقطات فيديو على منصات التواصل تكشف عن هجوم لفظي، بل هجمات جسدية بين أناس عاديين ومتديّنين هاجموا نساء لعدم التزامهن بالزي الديني. ويقول المراقبون إن استمرار القمع سيبطئ التغيير في إيران، ولكن لن يعيده إلى الوراء. وقال محلل مؤيد للإصلاح: “الجمهورية الإسلامية واعية بأنها لا تستطيع وقف النساء، وتنازلت عملياً بموضوع الحجاب”.
وقالت مدربة رياضية (32 عاماً): “لقد تلقيت خمس رسائل نصية بأن سيارتي ستصادَر، ولكنني تجاهلتها”، و”لو كانت سيارتي هي الثمن الذي سأدفعه من أجل حريتي فأنا مستعدة”.
إلا أن العداء تجاه مؤسسة دينية ينظر إلى أولوياتها بأنها خطأ ترك آثاراً مميتة، ففي الشهر الماضي قتل رجل دين بارز كان يقف في طابور بمصرف شمال إيران. وتم استهداف أربعة آخرين. ولكن الكثير من الملتزمين بالدين جددوا دعمهم للنظام، رغم مشاركتهم الغضب العام من الفساد والمعاناة الاقتصادية. وقالت زهرة: “لو كان البديل هو نظام أكثر إسلامية، لكنت دعمت احتجاجات الشوارع”، و”في الوقت الحالي، فخيارنا الوحيد هو هذا النظام، وهو إسلامي رغم المشاكل”.
ولكن هناك خلافاً في المواقف حتى بين الإيرانيين المتدينين. فالمتشددون الداعمون للنظام يرون أن القتال من أجل الحداثة مؤامرة أجنبية، حيث “كان العدو هو من اختار الحجاب كقضية من أجل زرع الانقسام في المجتمع الإيراني”، كما تقول إنسي (53 عاماً) مدرّسة القرآن في مدرسة ثانوية بطهران، وترتدي غطاء الرأس والجسد الكامل (شادور). وتضيف: “الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل دول شريرة تقف وراء هذه اللعبة السياسية”. وقالت إن المعارضين للحجاب هم أقلية رافضة اقتراحات من بعض السياسيين لوضع الموضوع محل استفتاء. وأضافت: “الأمر ليس بيد الناس العاديين ليقرروا”، و”نحن بحاجة للتركيز على التعليم الإسلامي في المدارس”. ولكن زهرة تلوم الجمهورية الإسلامية نفسها: “النظام السياسي فشل في أن يظهر جماليات الإسلام للطلاب، واكتفى بإخبارهم بأوامر الإسلام وفرضها عليهم”.
وانقسم رجال الدين أنفسهم، فقد أخبر آية الله لطف الله ديزجام، إمام الجمعة في شيراز، مؤتمراً أن الحد من التضخم هو الأولوية، وليس الحجاب.
وفي النهاية يعتقد حتى الأكثر تديناً في إيران أنه لا يمكن الوقوف أمام التغيير، وتخشى زهرة أنه لو كان لديها بنت لم تكن قادرة على إقناعها بارتداء الحجاب، لأن من المحتوم عدم فعل النساء هذا. و”لن أكون قادرة أبداً على إخبار ابنتي لأن تكون جزءاً من أقلية مهمشة”، و”هو ما يجعلني حزينة جداً”.
فايننشال تايمز
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews