كراهية الأجانب في تونس تجد مصادقة من الرئيس ولغة التآمر باتت عامة

قال سايمون سبيكمان كوردال، في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” إن الرئيس التونسي قيس سعيد، زاد من لهجة العداء للأجانب، واستخدمهم كبش فداء لحرف النظر عن مشاكله.

ورأى الكاتب أن التفكير التآمري كان علامة عن الرئيس المنتخب بأغلبية عام 2019، ولكنه أصبح منتشرا بشكل واسع في تونس، حيث يقود حملة الكراهية ضد الأجانب حزب مغمور اسمه “الحزب القومي التونسي” عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما خصصت القنوات التلفزيونية والصحف، مساحات لنظريات المؤامرة الدولية والمحلية من الراغبين في تقويض استقرار تونس.

وفي الوقت نفسه، انتشرت الرفوف الفارغة في المتاجر، فيما يظل منظور حصول تونس على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، بشرت الحكومة بها التونسيين، حلما بعيد المنال. وفي خارج بناية المنظمة الدولية للهجرة في تونس، أقيمت قرية مؤقتة، فيها أقمشة وبطانيات، حيث زاد حجمها خلال الأشهر القليلة الماضية، ووصلت حالة الانهيار، في وقت زاد عدد المهاجرين الأفارقة الذين عبروا بدون وثائق ويبحثون عن مكان للإقامة في تونس.

وأضاف الكاتب أن قصص الطرد من المنازل باتت عادية، إلى جانب روايات عن هجمات بالسواطير والسكاكين والضرب. ويتحدث الكثير من الناس عن حرق الممتلكات ورفض دفع الرواتب. وقبل خطاب الرئيس، كان الوعي بالعنصرية موجودا في تونس، لكن من النادر ما تحدث الناس عنها. ولكنه بات اليوم جزءا من حياتهم اليومية.

وفي شارع قريب، لجأ رجل وامرأته وابنهما إلى خيمة بلاستيكية مؤقتة لحماية أنفسهم من الرياح القادمة من بحيرة قريبة. وقالت العائلة وهي من نيجيريا: “نقيم هنا منذ أسبوع تقريبا”. وقبل ذلك، أقامت العائلة في حي من أحياء الطبقات العاملة المنتشرة حول العاصمة. وقالت الزوجة: “باتت الأمور الآن أسوأ، لا بيت للإقامة، طردنا صاحب البيت ويتحرش بنا الناس والشرطة.. لا عمل ولا مال، لا شيء”. وعندما سئلت عن كيفية وصف تونس لأصدقائها، ترددت قليلا وقالت: “سأخبرهم بمعاناتي، الكثير من التونسيين طيبون، ولكن هناك عدد كبير منهم سيئون جدا”.

وحملات سعيد ضد نقاده معروفة، وأدت لشجب دولي. واتهم سعيد المهاجرين بالمشاركة في مؤامرة لتغيير الطابع الديموغرافي للبلاد، مرددا كلام دعاة نظرية الاستبدال العظيم في أوروبا وأمريكا. وهي نظرية ألهمت عددا من القتلة العنصريين حول العالم. وحازت مزاعم سعيد على تصفيق من العنصري الفرنسي إريك زمور. ولكن لا أحد يعرف دوافع سعيد الشخصية، وإن كان يعرف بوجود هذه النظريات.

وهناك من يقدر عدد المهاجرين الأفارقة في تونس بحوالي 21 ألف شخص. ومرّ الكثيرون منهم وسط البيروقراطية التونسية وبدون أوراق رسمية، مما يعني صعوبة الحصول على إقامة.

ومأزق الأفارقة في تونس يشبه معاناة التونسيين الذين يهاجرون إلى أوروبا بدون أوراق كل عام. وعادة ما يتم توفير السكن بطريقة غير رسمية عبر الأصدقاء أو أصحاب العقارات الراضين. ويحصل المهاجرون على الدخل من خلال الأعمال المتقطعة.

وهو نفس المأزق الذي يواجه آلاف التونسيين الذين يهاجرون إلى أوروبا بدون أوراق رسمية. لكن أي مقارنة بين معاناة التونسيين في أوروبا والمهاجرين الأفارقة في تونس، تثير تجهماً في منطقة سكرة في أريانا قرب العاصمة التونسية التي تعيش فيها طبقة عاملة.

وقال بائع الفواكه باسم خزمي: “لا تسمح أوروبا لهم بالدخول وتعيدهم إلى هنا” عن المهاجرين الأفارقة. وغيّر خزمي الموضوع عندما سئل عن كيفية المقارنة بين عدد من المهاجرين الأفارقة بدون أوراق رسمية، مع آلالاف التونسيين المهاجرين إلى أوروبا.

إلا أن الآثار التي تبعت تعليقات سعيد أدهشت المراقبين، حيث انتشر طرد المهاجرين والعائلات بأكملها وشُردوا داخل البلاد. وسجل “إنفو إميغرانتس” وهو موقع إخباري، حوادث طعن أربعة مهاجرين أفارقة في مدينة صفاقس، وهوجم أربعة طلاب عندما تركوا مساكنهم في الجامعة. وفي مناطق أخرى، تقوم عصابات من المراهقين بالدق على أبواب المهاجرين في الليل وضربهم وجرّهم إلى الشوارع، ومراقبة حرق أمتعتهم. والشهادات عن المهاجرين الذين التزموا بيوتهم ولم يخرجوا منها خشية إبلاغ الجيران عنهم معروفة ومنتشرة بشكل كبير.

ولا أحد ينكر أن المشاعر العنصرية كانت تغلي تحت السطح، إلا أنها وبعد تصريحات الرئيس، ودعوة الحزب الوطني الذي يتزعمه سفيان بن صغير للإبلاغ عن المهاجرين غير الشرعيين، وجدت اهتماما من الناس وتغطية إعلامية. وقال المنبر التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إنه جرى في أول 25 يوما من شهر شباط/ فبراير، اعتقال 1540 مهاجرا .

وقالت أمانة غولالي من أمنستي إنترناشونال: “لا أعرف ما هي دوافعه، ولا أعرف إن كان فوجئ بمستوى عنف جماعات اليقظة وكراهية الأجانب التي أطلقت كلماته العنان لها. ولكنه أعطى الضوء الأخضر للكراهية لدى الكثير من الناس”.

وأشار الكاتب إلى أن الشباب والناشطين الذين غابوا عن الشارع بسبب الملاحقات التي حدثت منذ استيلاء سعيد على السلطة صيف 2021، ولكنهم وجدوا أنفسهم في خطى ثابتة مع معارضيهم السابقين من الأحزاب التونسية التي تعاني القمع والملاحقة، ومهما كانت نيتهم، فهم يمثلون لسعيد تحديا من نوع ما. ولكن لا يُعرف الفرق الذي سيتركونه. فقمع سعيد لقي نقدا دوليا واسعا من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وكان رده هو التأكيد لهم وتذكيرهم أن تونس بلد له سيادة، مما يزيد من عزلته وفقره، في وقت تحتاج تونس لكل حلفائها.

إلا أن رؤية سعيد الاقتصادية والسياسية تظل لغزا، فمع قرب تخلف تونس عن دفع ديونها، يبدو أن سعيد غير مبال بهذا. وبدلا من التوافق مع الاتحاد العام التونسي للشغل على عقد اجتماعي جديد، والذي يحتاجه لتمرير السياسات الاجتماعية، فقد طرد الوفود الأجنبية، وكذا مسؤولة اتحاد النقابات العمالية الأوروبية إيستر لينش. وهناك شكوك في التزامات سعيد الدولية، وتقديم تنازلات محلية لكي يحصل على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، حيث توقفت المفاوضات معه. وبدلا من ذلك، يواصل استهداف معارضيه واتهامهم بالخيانة والإرهاب ومحاولة اغتياله وبيع البلاد لقوى لم يسمها.

ومع تمحور سعيد حول ذاته، تزداد قائمة المتآمرين التي تضم الآن الكاتب الفرنسي بيرنارد هنري ليفي. ويزداد القمع السياسي كل يوم، وتم اعتقال عدد واسع من معارضيه بدون تهم. وتضم القائمة أيضا محامين وأعضاء في جبهة الخلاص الوطني، واتُهم البعض بالتآمر على احتكار المواد الغذائية المدعمة، ووُجهت تهم لآخرين بالتآمر مع السفارة الأمريكية.

وفي تونس حيث لا تزال ذكريات زين العابدين حية في أذهان التونسيين، تفاخر رجل أمام الكاميرا بأن عائلته تاجرت قديما بالعبيد. وهذا الكلام غير مهم كثيرا للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين أو الشرعيين. فأمام سفارة ساحل العاج في وسط تونس، كانت عائلة أفريقية مهاجرة تحضّر للرحيل، وقال الأب: “منذ خطاب الرئيس أصبحت الأمور سيئة”. وعندما سئل عن تغير الموقف من المهاجرين وإن كان مفاجئا، أجاب: “كان مثل مفتاح تم قلبه”.

فورين بوليسي