شباب تونس فقدوا الثقة بالرئيس سعيد ووعوده الواهية.. سلاحهم الجديد هو المقاطعة

نشر موقع مجلة فورين بوليسي، مقالا للكاتبة التونسية ثروة بوليفي، قالت فيه إن الشباب التونسي فقد الثقة بالرئيس قيس سعيد الذي فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2019 بأغلبية ساحقة وبنسبة 72% من أصوات الناخبين.
وقد جذب أستاذ القانون الدستوري الذي لم يكن ينتمي إلى أي حزب، الناخبين في تونس؛ بسبب حديثه باللغة العربية الفصحى ونزاهته السياسية، نظرا لعدم توليه منصبا حكوميا سابقا. وظل سعيد خلال أول عامين على انتخابه، يمارس دورا شرفيا أكثر من كونه مشاركا في صناعة القرار السياسي، وهذا نظرا لأن النظام شبه الرئاسي في تونس، حدّ من صلاحيات الرئيس ومنح البرلمان صلاحيات أوسع.
ولكن التونسيين انتقدوا صمت الرئيس إزاء الفشل الذريع الذي تسبب فيه نواب البرلمان. واستمر الغضب الشعبي بالتزايد وبعد خروج التونسيين في مظاهرات يوم عيد الجمهورية في 25 تموز/ يوليو 2021، حل سعيد البرلمان في انقلاب زعم أنه دستوري.
وفاجأ سعيد التونسيين بتحركه غير المتوقع، ولكن الناس احتشدوا في الشوارع احتفالا بقراره.
وكانت الأيام القليلة الأولى حماسية، ورحب التونسيون المتفائلون بمرحلة ما بعد الانقلاب. ونظّم عدد من الشباب حملات لتنظيف الأحياء، وأعلنت بعض محلات البقالة عن تنزيلات على أسعارالمواد الغذائية.
وبدا سعيد في المرحلة التي أعقبت انقلابه، وكأنه يحقق وعوده، وقدم المتهمين بالفساد إلى العدالة، وفرض الإقامة الجبرية على العديد من القضاة والمشرّعين، ومنعهم من السفر. لكن سعيد بدأ تدريجيا في وضع مداميك نظام استبدادي مستغلا حماسة الناس بشأن انقلابه. وتمت ملاحقة الصحافيين والناشطين الناقدين للرئيس، فيما حوكم نواب في البرلمان أمام محاكم عسكرية.
وظهرت نوايا سعيد للاستفراد بالسلطة بعد تغييره دستور 2014 لخدمة مصالحه الخاصة، ونظم استفتاء للتصويت على مسودة الدستورة الجديد. وتمت الموافقة على الدستور الجديد رغم امتناع 69.5 بالمئة من الناخبين عن التصويت.
إلا أن الإقبال الضعيف على الاستفتاء لم يمنع سعيد من تنظيم انتخابات تشريعية، عُقدت الجولة الثانية منها في 29 كانون الثاني/ يناير، وسجلت أدنى نسبة إقبال بين الناخبين بحيث لم تتجاوز 11.3 بالمئة. هذا مقارنة مع الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، التي أدارالشباب خلالها حملة سعيد الانتخابية،و صوّت فيها حوالي 90% من التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة لصالحه خلال الجولة الثانية.
ويبدو أن الناخبين الشباب بدأوا الآن بالتخلي عن سعيد. فقد شهدت انتخابات كانون الثاني/ يناير، إقبالا كبيرا من الكهول الذين تزيد أعمارهم عن 46 سنة بنسبة 77%.
وفي مقابلات أجرتها المجلة مع بعض الشباب التونسيين الذين أيدوا انقلاب سعيد في سنة 2021، لكنهم غيروا رأيهم بعد أكثر من سنتين من حكمه. وقالت سيرين (24 عاما) وتعمل في مركز اتصالات بالعاصمة تونس، إنها أُعجبت بالقرارات الجريئة التي اتخذها سعيد في تموز/ يوليو 2021، موضحة: “لم يجرؤ أي رئيس قبله على اتخاذ مثل هذه الخطوة الحساسة. أنا شخصيا كنت متفائلة للغاية لأنني رأيت في هذا القرار المثير للجدل إرادة سياسية قوية لتغيير الأمور نحو الأفضل”.
أما إلياس، الذي يعمل في وكالة سياحة وسفر، فقد كان دعم انقلاب سعيد خيارا افتراضيا، لأنه كان يعارض مثل العديد من التونسيين، البرلمان. وقال الشاب البالغ من العمر 27 عاما: “لم أصوت له خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، ولن أصوت له في ظل أي سياق أكثر استقرارا. وفي سنة 2021، نظرا للظروف والنخبة السياسية الفاسدة، لم يكن الخيار الأفضل، بل كان الخيار الأقل سوءا”.
واعتقد شباب تونسيون آخرون ممن كانوا يدعمون سعيد، أنه استجاب لنداء الشعب، وبحسب جميل (22 عاما): “قبل عامين، ساعد سعيد التونسيين رمزيا على ممارسة سيادتهم، وفي يوم الجمهورية طالب التونسيون بحل البرلمان”. وكانت مثل ثورة ثانية دعا الشعب إليها ونفذها الرئيس، كما قال.
وتشير المجلة إلى أن الناخبين الذين صوّتوا لسعيد في انتخابات 2019 كانوا من أشد المؤيدين للانقلاب، وتجاهلوا تحذيرات العديد من المراقبين المحليين والدوليين بشأن إمكانية انزلاق البلاد نحو الاستبداد. وقالت نسرين، التي صوتت لسعيد في الجولتين من الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، إن الانقلاب الرئاسي جعلها تشعر أخيرا أنها اتخذت القرار الصحيح في سنة 2019. وأضافت: “علمنا في العقد الماضي أن هذا البلد بحاجة إلى زعيم يحكمه بيد من حديد. وبغض النظر عن مدى خطورة قراره، فقد حان الوقت لوضع حد لفشل المجلس وتلميع صورة تونس”.
وتقول المجلة إن خطاب سعيد المعسول، امتلك شغاف قلوب التونسيين وجذبهم بوعوده البراقة، ولكنهم يطالبونه الآن بالتوقف عن الوعود الواهية.
وأشارت المجلة إلى أثر الحرب الأوكرانية على الأوضاع في تونس، ونقص المواد الغذائية مثل السكر والحليب والطحين والأرز. وتعتبر الأزمة المالية ونقص العملة الأجنبية وعجز ميزانية الدولة من أسباب انعدام الأمن الغذائي في تونس.
ومع ذلك اختار سعيد تحميل “المضاربين” و”المحتكرين” من التجار المسؤولية.
وباتت الطوابير الطويلة أمام المتاجر والمخابر أمرا مألوفا. وتم تصوير فيلم في أيلول/ سبتمبر 2022، ظهر فيه تدافع الناس للحصول على السكر. وهناك أزمة أخرى تتعلق بالدواء حيث لا يتوفر 300 نوع من الأدوية، بعضها لعلاج الأمراض المزمنة. وإلى جانب أزمة الدواء والغذاء، تعرض سعيد للنقد بسبب فشله في إدارة أزمة الهجرة. وبحسب المنبر التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وصل 15395 تونسيا، من بينهم 2000 قاصر إلى إيطاليا بشكل غير قانوني في سنة 2022.
وقد انتقد التونسيون سعيد لصمته الطويل بشأن فاجعة قارب جرجيس الأخيرة التي غرق فيها 18 تونسيا كانوا يحاولون الهجرة. ووعد سعيد بعد احتجاجات في جرجيس ومدن أخرى، بالتحقيق في الحادث والاقتصاص من القتلة، إلا أن موقف سعيد غير المبالي من التونسييين صدمهم.
وقال إإلياس إن فصاحة سعيد في اللغة العربية لم تعد تجذب التونسيين الذين يحتاجون إلى أكثر من مجرد لغة براقة لملء بطونهم الفارغة ودفع فواتيرهم.
وعبرت سيرين، التي دعمت سعيد بحماس سابقا، عن خيبة أملها بشأن الطريقة التي تطورت بها الأمور بعد الانقلاب: “على الرغم من اعتيادنا على خيبة الأمل من السياسيين مرارا وتكرارا، إلا أن الطريقة التي سارت بها الأمور بعد تموز/ يوليو 2021 مثّلت خيبة أمل مؤلمة لجميع الذين دعموا سعيد وصدقوا كلماته الرنانة”، وانتقدت تجاهل الرئيس للأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد، وشيطنة خصومه السياسيين والنشطاء والصحافيين، وفي الفترة الأخيرة اللاجئين والمهاجرين. وأضافت: “يبدو أنه يعيش في عالم آخر أو على كوكب آخر، إنه لا يرى أو اختار ألا يرى مشاكل شعبه أو يعترف بوجودها. وظيفته الوحيدة هي مطاردة خصومه”.
ويرى جميل أن محاولات سعيد ترسيخ حكم ديكتاتوري فشلت، نظرا لعدم توفر المهارات اللازمة لإدارة البلاد. كما يفتقد نظامه الديكتاتوري إلى المصداقية والدعم. مضيفا أنه حاول تقليد انقلاب زين العابدين بن علي عام 1987، إلا أنه فشل. ورغم ما لديه من طموح، إلا أنه لا يملك الخبرة والكفاءة التي توفرت لبن علي، وحتى الأحزاب السياسية التي دعمته بداية، باتت تتخلى عنه.
وأشار جميل إلى أنه “على الرغم من طموحاته الضخمة، فإن سعيد لا يتمتع بكفاءة وخبرة بن علي الذي كان رجل دولة، بل إنه يفقد مؤيديه؛ تخلّى عنه الشباب، وحتى الأحزاب السياسية التي دعمت انقلابه تتخلى عنه ببطء”.
ويعتقد جميل أن سعيد يحاول استخدام الأوضاع المتردية لترسيخ حكمه الاستبدادي وتقديم نفسه بأنه المخلص للبلاد وأزمتها الاقتصادية. وعبّر الشباب المستاءون من سعيد عن حرية في الاختيار، ولم تشترك سوى نسبة 1.7% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 23-35 عاما. ومارس الشباب التونسي وعلى مدى العقد الماضي الاحتجاجات وخرجوا بمسيرات في شوارع البلاد حتى تعبوا. واليوم يمارسون شكلا آخر من الاحتجاج الهادئ وهو المقاطعة التي يعتبرونها اليوم طريقتهم الجديدة في تأكيد سيادتهم واستقلالهم.
فورين بوليسي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews