مواقف متباينة بين روسيا وأمريكا حول أوكرانيا وتحضيرات لحرب تمرد ضد القوة الغازية
تساءل المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس عن سبب إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مواجهة أوكرانيا والمضي في مخاطرة غير محسوبة من أجلها. ويجيب أن بوتين بات يعتقد أنه فقد السيطرة على على كييف والتأثير عليها وأنها تسير بطريقة لا رجعة فيها نحو الغرب. وأنها أصبحت وبشكل فعلي عضوا في الناتو مع أن العضوية الرسمية بعيدة إن لم تصبح أبعد.
وأشار الكاتب إلى غياب ساحة المناورة في المحادثات التي جرت بين نائبي وزيري الخارجية الروسي والأمريكي في جنيف، حيث جاء الممثل الروسي سيرغي ريابكوف بمطلب قاطع وقوي وملزم قانونيا يقضي بعدم قبول أوكرانيا كعضو في الناتو. ورفضت الممثلة الأمريكية ويندي شيرمان المطلب واعتبرت أن بقية المطالب ليست بداية لمحادثات ناجحة. وقالت إنه من الصعب رؤية مكان للمناورة حتى في عالم تبدأ فيه المفاوضات بتباين واسع وكبير في المواقف. ومع ذلك وافق الممثلان الأمريكي والروسي على مواصلة المحادثات. وقالت شيرمان “من الصعب على الدبلوماسيين القيام بعملهم المطلوب منهم بدون أن يكون هناك أمل”.
ويقول الكاتب إن إدارة جو بايدن لم ترمش لها عين في الجولة الأولى بجنيف. وحضر المسؤولون الأمريكيون أنفسهم بعد الجولة لإمكانية وقف الروس التفاوض واجتياح أوكرانيا حتى غرب كييف. وإن لم يحدث هذا فسيقومون بشن حرب إلكترونية مع استفزازات أخرى لزعزعة استقرار الحكومة الأوكرانية. وبحسب المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، لم يقرر بوتين بعد الخيار الذي يريد المضي به.
ومن أجل التحضير للسيناريو الأسوأ، يجري المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون زيارات إلى كييف للتخطيط لحرب تمرد تلاحق الغزاة. لو زادت روسيا من التصعيد وحاولت تنفيذ هجوم إلكتروني فلدى بايدن رد من نوع ما. ويعتقد مسؤولو الإدارة أن الأزمة لا تزال في مراحلها الأولى. وقبل أن يتخذ بوتين قراره الذي لا رجوع عنه وهو شن حرب في أوروبا، فإن مسؤولي البيت الأبيض يحضرون إطارا دبلوماسيا يقدم للزعيم الروسي نسخة عن الأمور التي يقول إنه يريدها، معمار أمني في أوروبا وبدون التنازل عن المبادئ المهمة للناتو. وهذه هي النتيجة المثالية لأي أزمة، أي اتفاق يمنح كل الأطراف شعورا بالأمن والأمان.
وتقترح كلمات ريابكوف أن هناك مسارا للأمام، فقد سئل قبل اجتماعه مع شيرمان من صحيفة “إزفستيا” حول المطالب الروسية والضمانات. وحمل رده الكثير من الدلالات عن استعداد للتنازل مقارنة مع تصريحاته المتشددة يوم الإثنين. وقال “الدبلوماسية تقتضي البحث عن حلول وموازنة في المصالح” و”نحن لا ننوي مواجهة كل اعتراض وإلا سيكون هذا مطلبا استباقيا من جانبنا وليس مقترحا للتفاوض”.
ويقول الكاتب إن مسؤولي إدارة بايدن استكشفوا حزمة من المقترحات التي قد تعالج إصرار بوتين بأن بلاده مهددة من الناتو وبدون التأثير على التحالف. خذ مثلا مسودة المعاهدة بشأن “الضمانات الأمنية” التي أعلنت عنها روسيا في كانون الأول/ديسمبر، فالولايات المتحدة ترفض بعض بنودها مثل الحظر الدائم لعضوية أوكرانيا في الناتو. لكن المسؤولين الأمريكيين اطلعوا على نسخة أخرى باللغة الروسية وتستعيد ميثاق هلنسكي النهائي، المعاهدة التأسيسية لعام 1997 بين روسيا والناتو والتي تحد من الصواريخ المتوسطة وطويلة المدى- كأساس لاتفاق يمكن أن ترحب به الولايات المتحدة وحلفاؤها. ومن المحتمل أن تدعم إدارة بايدن محدودية مشتركة على المناورات العسكرية وعلى النشر المتقدم لأنظمة الأسلحة الهجومية.
ويشتكي بوتين من الصواريخ التي لا تعطي روسيا سوى دقائق محدودة قبل هجوم كاسح على موسكو. ويمكن معالجة هذا الطلب، مثل شكوى بوتين حول تحليق مقاتلات قادرة على حمل رؤوس نووية مثل بي52 وبي1 قرب الحدود الروسية، فالاستعراضات النووية لا تخدم أحدا في عام 2022.
ويقول ويليام بي تيلور، السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا، إنه لو كان بوتين يبحث عن ضمانات أمنية فهو يدفع بابا مفتوحا “فالعودة إلى الشفافية وبناء الثقة وتخفيض المخاطر التي تأتي باتفاق حول المناورات العسكرية التي تجعل كل طرف، روسيا والناتو، آمنا. ولو استمرت المفاوضات فربما حققت نتائج”.
وربما كان بوتين راغبا بإعادة كتابة التاريخ، ففي كتابها “عالم بوتين: روسيا ضد الغرب والبقية”، كتبت أنجيلا ستنت أن الزعيم الروسي يريد من الغرب “التعامل مع روسيا كما وأنها الاتحاد السوفييتي” و”التفاوض من جديد على نهاية الحرب الباردة”.
ويعلق الكاتب أن هذه الأحلام التافهة مستحيلة. فالدول التي كانت تحمل الأحقاد، كما هو حال بوتين روسيا طالما حاولت التعامل مع المشكلة الجوهرية. وقد فعلت إسرائيل هذا عام 1982 عندما اجتاحت لبنان وأمريكا عندما غزت العراق عام 2003، حيث اعترفتا بثمن الأخطاء الإستراتيجية. واليوم روسيا ترمي حجر النرد. ومطلب روسيا بأنها تريد الشعور بالأمن داخل حدودها ليس أمرا غير منطقي، فكل دولة تريد هذا، ولو كان بوتين يعتقد أنه سيحقق ذلك عبر غزو أوكرانيا، فإنه سيفشل حتما.
واشنطن بوست
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews