“بمغادرتها إيران ستصبح في أرض لبنانية”.. هكذا ينجح نصر الله في “خدعة السفينة”
فاجأ زعيم “حزب الله” بإعلانه قبل أسابيع أن سفينة إيرانية محملة بالوقود والمازوت ستنطلق من إيران إلى لبنان على المدى الفوري. وأضاف بأنه في اللحظة التي تغادر فيها السفينة المياه الإقليمية الإيرانية وتكون في قلب البحر، تصبح أرضاً لبنانية. بمعنى أنه يريد القول إن المس بالسفينة حكمه كحكم المس بالأراضي اللبنانية وسيستوجب رداً من جهته. هذه هي المعادلة التي ثبتها مؤخراً. يعرف نصر الله بأن كل القوى السياسية في لبنان ضد خطوته وضد تلقي الوقود من إيران. فهم لم يرغبوا، وعن حق، في تدخل إيراني مباشر. فقرر تنفيذ تصريحه بقرار منه فقط. وبهذا يكون قد تجاوز عدة خطوط.
لم تتأخر ردود الفعل؛ فرئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وباقي الزعماء، شجبوا خطوة نصر الله التي تضع لبنان في خطر، وتوجهوا إلى حليفه الرئيس ميشيل عون لمنعه من ذلك. ولكن الرئيس ملأ فمه ماء. في المقابل، قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن “إرسالية الوقود الإيرانية تمس بسيادتنا”. وبذلك، يكون نصر الله صادر الصلاحيات التي في أيدي الحكومة الشرعية، الوحيدة المخولة بأن تقرر ذلك. هذه خطوة أخرى من جهته كي يقرر مدى حرية العمل التي لديه وقدرته على اتخاذ القرارات على المستوى الوطني بقرار ذاتي، وذلك في ظل تجاهل للإدارة السليمة.
هذا التحدي ليس للمؤسسة اللبنانية فحسب، بل للأسرة الدولية أيضاً. منذ 2018 تفرض عقوبات على إيران على تصدير النفط والوقود. وإن تحذير نصر الله للولايات المتحدة التي لها حضور بحري مهم في البحر المتوسط، وإسرائيل التي ستمر الباخرة من أمام شواطئها، إنما يلمح باستعداده لأخذ مخاطرة محسوبة لاشتعال محتمل. هو يخدع.
إلى جانب الخيار بالسماح للباخرة بالوصول إلى الهدف، كانت هناك خيارات لمنع هذا عنها، ولكل من الخيارات ثمن. كان يفترض بالباخرة أن تمر عبر قناة السويس التي تحت السيطرة المصرية. وعلى الرغم من ميثاق وقع عام 1888 يحدد القناة كممر بحري مفتوح أيام السلام أو الحرب، يمكن لمصر أن تؤخر عبور السفينة الإيرانية، بكل أنواع المعاذير. من جهة، تريد مصر أن تساعد لبنان في التغلب على الأزمة الحادة، ومن جهة أخرى هي معنية بأن تمنع عن إيران موطئ قدم في لبنان. هذا شجعها على عقد صفقة مع الأردن وسوريا لنقل الوقود والكهرباء من مصر إلى لبنان. كان يمكن للولايات المتحدة أن تنفذ خيار العقوبات، وتوقف السفينة وتصادر محتواها بدعوى أن إيران خرقت العقوبات. وهناك رد إسرائيل أيضاً، التي –برأيي- ستمتنع عن مواجهة مباشرة مع إيران و”حزب الله”. لقد توصل نصر الله إلى الاستنتاج بأن خيارات منع وصول السفينة إلى هدفها احتمال متدن.
بالفعل، وصلت السفينة في الأيام الأخيرة إلى ميناء طرطوس في سوريا دون عراقيل، وستنقل حمولتها إلى نصر الله وليس إلى حكومة لبنان. خدعة نصر الله نجحت؛ فقد ثبّت حقيقة، ولا أحد في داخل لبنان أو خارجه يمنعه من ذلك. إنزال الأيدي الذي مارسه نصر الله بإلهام إيراني، وبتأييد هادئ من الرئيس اللبناني، يعزز سيطرة “حزب الله” أكثر فأكثر ويضعف كل الباقين. الآن، حين ستبيع مصر، بتشجيع أمريكي وموافقة سورية، الطاقة اللازمة للبنان، لن تعود هناك حاجة إلى السخاء الوهمي من جانب نصر الله ولا إلى ازدواجية أخلاقية من إيران. فالدول التي على مسار إبحار السفينة يمكنها الآن أن تمنع عبور سفن أخرى.
معاريف
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews