إسرائيل و”التحول الشمالي”.. بين انتعاش الأسد و”سعال” نصر الله
خرج زعيم حزب الله حسن نصر الله، الأسبوع الماضي، من خندقه الذي يختبئ فيه في الـ 15 سنة الأخيرة كي يهنئ حماس على “انتصارها” في الصراع ضد إسرائيل. لا خوف، فليس مثل نصر الله، الذي احترق بالضربات التي تلقتها منظمته في حرب لبنان الثانية، كي يعرف الفرق بين إعلان النصر والواقع الأليم الذي اكتشفه هو ورجاله في نهاية الحرب إياها في حي الضاحية أو ما تبقى منه. لمثل هذا الواقع ينكشف الآن زعماء حماس في غزة، الذين يخرجون من الخندق ويكتشفون الدمار والخراب اللذين جلبوهما على أبناء شعبهم. ونصر الله وإن سعى للقفز إلى عربة حماس، فقد خُيّل أنه أراد أن يشرح لمؤيديه سبب حذره من خرق الهدوء على طول الحدود مع إسرائيل، وفضل بالتالي القعود مكتوف اليدين، وألا يهرع لنجدة حماس من أجل القدس والحرم.
لقد اعتبرت لحظات ظهور نصر الله دوماً “العرض الأفضل” في المدينة. خليط من الرسائل التي ينصت إليها الجميع إنصاتاً شديداً، في إسرائيل أيضاً، مع قدرة خطابية فاخرة لخطيب كفؤ وخبير. ولكن كل هذا انهار مع سماع السعال الأول، الذي تلاه سعال كثير آخر. وهكذا تحول خطاب النهر إلى “خطاب السعال”، وبدلاً من الانشغال بتهديدات وإعلان النصر، احتل وضعه الصحي معظم العناوين الرئيسة. ولو كان الأمر متعلقاً به لتخلى نصر الله عن الخطاب، ولكنه بذلك كان سيعزز الانطباع مرة أخرى بأنه، مثل مرات عديدة سابقة في السنوات الأخيرة، يخشى إسرائيل ويفضل الهرب من المعركة.
بخلاف حماس، التي غيرت زعماءها مرات لا تحصى بعد أن صفّت إسرائيل بعضاً منهم، فإن نصر الله يدير بيد عليا، منذ قرابة ثلاثة عقود، حزب الله كعرض وحيد. مثل كل طاغية شرق أوسطي آخر، حرص على ألا يكون في محيطه خليفة محتمل للتاج. ومن هنا، نفهم التساؤلات التي بدأت تثور في لبنان حول اليوم التالي لنصر الله، الذي وإن تأخر لا بد سيأتي.
الرئيس السوري بشار الأسد هو الآخر خرج للاحتفال بالنصر، نصره في الانتخابات التي أجريت في سوريا في الأسبوع الأخير، والتي فاز فيها بأغلبية ملفقة من 95.1 في المئة. ينبغي الافتراض بأن الضربات التي تلقتها حماس على أيدي إسرائيل لم تغطّ على فرحة النصر. بعد كل شيء، لم ينسَ بشار ولم يغفر لحماس وقوفها ضده وتأييدها للثوار ضد نظامه في أثناء الحرب في سوريا.
غير أن في انتصار بشار الزائف شيئاً ما حقيقياً. فبخلاف كل التوقعات، نجا من الحرب، وبقي على كرسيه، وها هو بمسيرة بطيئة ومليئة بالعراقيل والتراجعات يعيد ترميم مكانته ويعززها من الداخل في سوريا وخارجها. العالم العربي يعود إليه رويداً رويداً، والأسرة الدولية أيضاً تسمع منع الآن أصواتاً في صالح استئناف العلاقات مع سوريا. من ناحية إسرائيل، يعد هذا بلا شك حاكماً مجرماً، ولكنه هو الذي حرص مدى السنين، مثل أبيه قبله، على حفظ الهدوء على طول الحدود. إن تعزز قوة الأسد كفيلة بإعادة التوازن إلى الساحة الشمالية حيث يد إيران وحزب الله هي العليا في السنوات الأخيرة. وها هنا يلوح التحول: الأسد يأخذ بالانتعاش، بينما نصر الله -ملك الشمال بلا جدال في العقد الأخير- يجد صعوبة في إكمال جملة بين سعال وسعال، وهذا ليس بالضرورة في طالح إسرائيل.
إسرائيل اليوم
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews