إلى أي مدى ستكون “قضية نافالني” وجهاً حقيقياً لسياسة بايدن الخارجية؟
إن نشر استنتاجات المخابرات الأمريكية التي تشير إلى محاولة الأمن الفيدرالي الروسي “اف.اس.بي” عملية اغتيال فاشلة ضد معارض النظام أليكسي نافالني، إلى جانب العقوبات التي ذكرت ضد المتورطين في العملية وضد المسؤولين عن سجنه مذ عاد إلى روسيا، هي إشارة ملموسة أولية على تغيير السياسة من قبل الرئيس الجديد في البيت الأبيض. هذه الخطوة تعارض سياسة الرئيس السابق ترامب الذي تجاهل تسميم نافالني وحاول التودد ليكون محل إعجاب بوتين، خلال سنوات ولايته الأربع. ولكن الحديث لا يدور حتى الآن عن عودة الولايات المتحدة إلى قيادة سياسة الغرب.
لقد سبق إعلان العقوبات من جانب إدارة بايدن قرارات مشابهة للاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وتعديل الإدارة الجديدة خطها من أجل التوافق مع حلفاء أمريكا التقليديين، تبشر بالتغيير. ولكن كما قلنا، لم تعُد الولايات المتحدة بعد إلى مكانتها “زعيمة العالم الحر” بصورة كاملة. وقد تأتي في الأسابيع القادمة إشارة أكثر أهمية على درجة تصميم بايدن على العمل ضد روسيا، بعد نشر تقرير المخابرات حول هجوم السايبر على شركة “سولار وينتس”، الذي تم فيه اختراق مخازن المعلومات لتسع مؤسسات حكومية ومئة شركة أمريكية، كما يبدو من قبل قراصنة عملوا لصالح المخابرات الروسية.
إذا فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات شخصية واقتصادية في أعقاب نشر هذا التقرير، عندها يمكن القول بأن هناك تحولاً مهماً في السياسة، كما أعلن بايدن في الخطاب الذي ألقاه قبل شهر في وزارة الخارجية الأمريكية، والذي وعد فيه بإعادة ترتيب السياسة الخارجية الأمريكية، حيث انقضت الأيام التي كانت فيها الولايات المتحدة “خانعة إزاء الأعمال العدائية الروسية”. ولكن لم تتم بعد رؤية سياسة جديدة وحازمة من جانب بايدن أمام العدوة الثانية الكبرى، الصين. ورغم ما وصفه زير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد قمع الصين للأقلية الإيغورية المسلمة بـ “إبادة شعب”، غير أن العقوبات الاقتصادية على بكين بقيت حتى الآن على حالها مثلما كانت في عهد ترامب.
تم التعبير عن تردد بايدن وحذره، في مواضيع أخرى للسياسة الخارجية. فقبل فوزه في الانتخابات الأخيرة، قال بايدن إنه ينوي العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي جرى توقيعه في عهد أوباما وانسحب منه ترامب. ولكن حتى الآن الاستجابة لمطالب إيران، والتخفيف مسبقاً من عقوبات سياسة “أكبر قدر من الضغط” التي فرضها ترامب على طهران بقيت على حالها. في الوقت نفسه، أمر بايدن في الأسبوع الماضي بعملية عسكرية هجومية أولى منذ تسلمه المنصب، مهاجمة مليشيا مؤيدة لإيران في أعقاب سلسلة هجمات على القوات الأمريكية في العراق. وحتى الآن، مرت بضعة أسابيع تعرض فيها الأمريكيون إلى قصف إلى أن أمر بايدن بالهجوم. وعندما أمر بذلك كان القصف في سوريا بعيداً عن إيران.
تحدث بايدن ومستشاروه قبل الانتخابات عن تغيير عميق يتوقع إجراؤه في شبكة العلاقات مع دول عربية ، ولكن لم يطبق سوى جزء منه. وقامت الإدارة أيضاً بإخراج المتمردين الحوثيين في اليمن من قائمة التنظيمات الإرهابية حتى تمكن من استئناف المساعدات الإنسانية للمدنيين الموجودين في المنطقة التي تقع تحت سيطرتها.
نستنتج من خطوات بايدن أنه لا يركز على السياسة الخارجية في الوقت الحالي، لأن مواجهة وباء كورونا، وعملية التطعيم التي ما زالت متعثرة، وضخ المنح للمواطنين، وتحريك الاقتصاد من جديد، هي أمور تقف على رأس سلم أولويات الإدارة. ما يحدث خارج حدود الولايات المتحدة يحتل مكانة أقل بكثير من اهتمام البيت الأبيض.
إن تأخير الاستعداد للإمساك بزمام السلطة، الذي جاء من رفض ترامب الاعتراف بهزيمته في الانتخابات، أدى إلى أن جزءاً من التعيينات الرفيعة في وزارة الخارجية وفي مجلس الأمن القومي ما زالت تنتظر مصادقة الكونغرس. ونتيجة لذلك، بقي الطاقم الرفيع الذي يعالج السياسة الخارجية مقلصاً. ربما يكون بايدن ملتزماً وعده بتغيير سياسة سلفه الخارجية كلياً، لكنه غير مستعجل. كما أن التغييرات الجذرية ليست من طبعه.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews