قمة جبل الجليد العائم في بحار ترامب المتلاطمة

يبدو أن دونالد ترامب يريد الفوز على طريقة جورج بوش الإبن في انتخابات عام 2000، بصدور حكم المحكمة العليا الأمريكية لصالحه، وخسارة المرشح الديمقراطي البرت آل غور، الذي أقر بالنتيجة، وتحفظ على قرار المحكمة العليا؛ مبررا ذلك بالقول: «من أجل وحدتنا كشعب وقوة ديمقراطيتنا، أقدم تنازلي» وكان قد حصل على 48.38 ٪ من إجمالي أصوات الناخبين مقابل 47.87٪ حصل عليها بوش الإبن.
وحتى يوم الاثنين الماضي 16/ 11/ 2020 مازال ترامب يكرر «إعلان» فوزه، أكثر من مرة منذ صباح ذلك اليوم، وهذا دفع الشركة المسؤولة عن منصة التواصل الألكتروني «تويتر» لتوضح بأن ذلك يخالف ما قالت به المصادر الرسمية. وقد فاجأ ترامب الجميع بفوزه في انتخابات 2016؛ مخيبا تقديرات استطلاعات الرأي، وبينما حصلت هيلاري كلينتون على أكثر من 63 مليون صوت، فإن ترامب حصل على نحو 61 مليون صوت؛ بفارق أكثر من مليون ونصف المليون صوت، وفاز بأصوات المجمع الانتخابي لا بأصوات الناخبين!!.
وفي انتخابات هذا العام حصل ترامب على أكثر من 72 مليون صوت، وهي ثاني أكبر نسبة تحققت للأصوات في تاريخ الانتخابات الأمريكية؛ زادت عن 47٪ من الأصوات. ومن المتوقع بعد الإعلان الرسمي عن النتيجة أن يحتل ترامب المركز الحادي عشر في سلسلة من لم يتمكنوا من الفوز بولاية ثانية، وهو أول رئيس يخسر التصويت الشعبي في جولتين انتخابيتين متعاقبتين. وتقدم جو بايدن بأكثر من 5 ملايين صوت، ومجموع الأصوات التي حصل عليها نحو78 مليون صوت بنسبة 50.8٪، وهو الرقم الأعلى في التاريخ الانتخابي الأمريكي..
ومن اللافت العثور على إثنين من «مرشحي الظل»؛ هما مغني الراب كاني ويست، زوج النجمة كيم كارداشيان؛ عن «حزب عيد الميلاد» وحصل على 160 ألف صوت من 160 مليون صوت لهم حق التصويت، وجو جورجينسن «مستقلة» وإن كانت تنتمي لـ«الحزب الليبرتاري (التحرري)» وحصلت على أكثر من مليون ونصف المليون صوت.
وننتقل إلى الغوص في بحار ترامب المتلاطمة؛ المتوقع غرقه فيها بعد خروجه من البيت الأبيض، ورفع الحصانات عنه، فهناك على الأقل ست ملفات لاتهامات معدة سلفا جاءت على موقع هيئة البث البريطانية (بي بي سي) الإخباري في 17 تشرين الثاني -نوفمبر الجاري ) وملخصها:
1. اتهامات بدفع مبالغ مالية مقابل السكوت، وعدم البوح بعلاقات نسائية؛ عارضة بمجلة «بلاي بوي» وممثلة أفلام إباحية زعمتا إقامة علاقات جنسية مع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته وحصلتا على مقابل مالي لإسكاتهما قبيل إنتخابات 2016، وحين كشفتا عن ذلك في 2018 كانت فضيحة أدت لفتح تحقيقين جنائيين؛ تعلق الأول بخرق القوانين الاتحادية والوطنية، وتعلق الثاني بمايكل كوهين محامي ترامب السابق، ودوره كـ«وسيط» أقر بدفع أموال لامرأتين، وقال كوهين أن ترامب «أمره» بدفع تلك الأموال، ومع ذلك لم يُوَجه أي اتهام لترامب، وأثار ذلك لغطا وجدلا واسعا!!
2. ملف التهرب الضريبي والاحتيال المصرفي؛ بناء على طلب سايروس فانس المحامي لفحص السجلات والإقرارات المالية الخاصة بترامب على مدى ثماني سنوات، ومحاولة ترامب إعاقة «مذكرة الإحضار» واعتبارها مضايقة سياسية، وهو ما اعترضت عليه محكمة الاستئناف الاتحادية في اكتوبر الماضي، وسمحت للمدعين بالاطلاع عليها، وحين اطلع فانس على الإقرارات الضريبية في أغسطس الماضي، لاحظ وجود «تقارير عامة عن سلوك إجرامي محتمل واسع النطاق وطويل الأمد في مؤسسة ترامب» واتهامات بوجود احتيال تأميني ومصرفي.

وأشارت أوراق أخرى لدى المحكمة في سبتمبر الماضي إلى اعتبار الاحتيال الضريبي جريمة افتراضية يتم إثباتها بالأدلة الداعمة، وفي نيويورك، يمكن توجيه الاتهام في قضايا الاحتيال الضريبي؛ كجرائم تؤدي إلى السجن الطويل. لكن حتى اللحظة تظل «التقارير العامة» بشأن الجرائم المحتملة المشار إليها مجرد أسباب للتحقيق ليس أكثر.
3. ملف الاحتيال العقاري؛ صارت مدعية نيويورك ليتيتيا جيمس شوكة أخرى في حلق ترامب، فمنذ مارس 2019 وهي تقود تحقيقاً مدنياً بشأن ما إذا قامت مؤسسة ترامب باحتيال عقاري، وكان كوهين محامي ترامب السابق قد أخبر الكونغرس في فبراير 2019 بأن ترامب قام بتضخيم قيمة أصول ممتلكاته لتأمين قروض، وقلل من قيمتها لتخفيض ضرائبه، وأعطت شهادة كوهين الفرصة لجيمس كي تطلب الاطلاع على معلومات عن إمبراطورية العقارات المملوكة لترامب.
وصار على جيمس أن تحارب داخل المحاكم من أجل الحصول على تلك المعلومات، واتهمها إريك ترامب نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة ترامب ونجل الرئيس بقيامها بـ«ثأر سياسي» ومع ذلك، امتثل للإدلاء بشهادته أمام مكتبها في شهر أكتوبر الماضي، وكان ترامب يتحجج بانشغاله في الأعمال الرئاسية، ولا يستطيع التعامل مع الدعاوي القانونية. وبعد تركه البيت الأبيض لن يستطيع استخدام هذا العذر، ويمكن لجيمس أن تضغط لحضوره للإدلاء بإفادته تحت القسم مثلما فعل نجله، وقد يسفر ذلك النوع من التحقيقات المدنية عن عقوبات مادية، في حال ثبوت الاتهامات، ولا يمكن استبعاد فتح تحقيق جنائي آخر.
4. ملف الهبات والهدايا: يعد مصطلح «إيموليومنتز» الانكليزي بمعنى المكافآت والهدايا والهبات؛ يعتبر قديماً قَلَّما يستخدم الآن إلا في السياقات القانونية. ويعد تعريفه أمراً خلافيا، غير أنه بصورة عامة يُفهم أنه يعني منفعة أو مكسباً أو ميزة من وظيفة معينة أو منصب عام، وترامب متهم بكسر القواعد المانعة لتلقي الهدايا والهبات خلال فترة رئاسته. وهناك التزام معروف باسم «شروط الهبات» ينص عليه الدستور الأمريكي، ويُلزم المسؤولين الاتحاديين بما فيهم الرئيس بطلب موافقة الكونغرس قبل قبول أي مزايا من دول أجنبية، وتتهم ثلاث دعاوى مدنية منفصلة ترامب بعدم التقدم للحصول على هذه الموافقة، وتشير إحدى الدعاوى إلى استضافة مسئولين أجانب بفندق ترامب الدولي في واشنطن باعتباره خرقاً محتملا، وكان ترامب قد سخر مما وصفه بـ«المادة القانونية عن الهبات الزائفة» قائلاً إن رؤساء آخرين حققوا مكاسب خلال وجودهم في المنصب!!.
5. ملف العلاقات النسائية؛ ترامب متهم بسوء السلوك مع نساء يتهمنه بذلك لعقود مضت. وينفى ترامب كافة الادعاءات ويصفها بـ«الأخبار الزائفة» والتشهير والمؤامرات، والعديد منهن وجهن اتهاماتهن قبيل فوز ترامب في 2016. وهددهن بمقاضاتهن، ولم يفعل، وقام عدد منهن برفع دعاوى قضائية ضد ترامب. ورفعت اثنتان دعاوى تشهير ضد ترامب لوصفهما بأنهما كاذبتان، واتهمت إحداهما وتعمل كاتبة صحافية ترامب باغتصابها داخل غرفة لخلع الملابس في متجر فاخر بحي مانهاتن خلال تسعينيات القرن الماضي. وتقول أخرى في دعواها إن ترامب شوه سمعتها، وهو ينفي اغتصابه لها بأنها «ليست من النوع المفضل لديه»!!. وتسعى الدعاوى إلى الحصول على تعويضات لم يحددنها، وتراجع ترامب عن تصريحاته.
6. ملف اتهامات ماري ترامب ضد عمها؛ بدأت ماري السطر الأول من دعواها بأن «الاحتيال ليس مسألة عائلية إنما هو أسلوب حياة» لدى عمها دونالد، وَوُصِفت الجملة الافتتاحية بأنها «بالغة الازدراء» وتعكس عداءً داخل مذكرات ماري ترامب الصادرة حديثا، والتي تصف عمها «بالنرجسية» ويعرض الكتاب لخلافات عائلية شديدة الخصوصية، ويتجلى قدر حدتها في الدعوى القضائية التي قدمتها ماري في سبتمبر الماضي، وتتهم عمها واثنين من أخوته بخداعها فيما يخص الإرث، والضغط عليها للتخلي عن نصيبها في شركات العائلة، وكانت قد ورثت أسهماً قيمة في شركة العائلة؛ حين توفي والدها فريد ترامب جونيور؛ الشقيق الأكبر للرئيس عام 1981 عن عمر 42 عاما، وكان عمرها حينها ستة عشر عاما.
وتقول الدعوى إن ترامب واثنين من إخوته تعهدوا بالحفاظ على الإرث، لكنهم كذبوا، ونفذوا مخططاً معقداً لاختلاس الأموال من أسهمها وأخفوا احتيالهم، وخدعوها بشأن القيمة الحقيقية لميراثها» وتسعى الدعوى للحصول على تعويضات لا تقل عن 500 ألف دولار. وإذا كانت هذه بحار ترامب المتلاطمة على مستوى السلوك الشخصي؛ فماذا كانت على المستوى العام؛ الداخلي والخارجي؟ سؤال في حاجة إلى معالجة!

القدس العربي