أمريكا وقانون العقوبات الجديد: بين تجفيف منابع “حزب الله” وخسارة “الوكيل للشؤون الخاصة” عباس إبراهيم

وضع مشروع قانون خطير جداً على طاولة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في 30 أيلول، عنوانه “منع تبييض أموال من قبل حزب الله – 2020”. ومقدم مشروع القانون هذا هو جو وولسون، العضو الكبير في اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومحاربة الإرهاب، وانضم إليه أيضاً 12 عضواً من الكونغرس. ويمكن للرئيس ترامب التوقيع على هذا المشروع بكلتا يديه، وستكون إسرائيل مسرورة بذلك. التجديد في مشروع القانون هو تضمين بلديات وبنوك بأقاليم لبنانية يسيطر عليها حزب الله. وهم بهذا يأملون “تجفيف مصادر التنظيم الذي يعمل باسم إيران”.

سيمر المزيد من الوقت إلى أن يتم تمرير مشروع القانون، إذا اجتاز جميع مراحل التشريع. وثمة تساؤل لأحد بنوده، فيما إذا لم يشكل هذا إطلاق نار على القدم. “سيضمّن الرئيس اسم الجنرال عباس إبراهيم، رئيس المخابرات العامة في لبنان، في قائمة الأشخاص الذين ستفرض عليهم عقوبات”.

عين إبراهيم في منصبه الكبير في العام 2011، كان اسمه موجوداً في كل مفترق طرق سياسي وعسكري في لبنان، وليس لبنان وحده هو من ضمن نشاطه. كان إبراهيم ضابط الارتباط بين الجيش اللبناني والقوات الدولية لتطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية، وتولى معالجة شبكة العلاقات بين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والجيش اللبناني. كان إبراهيم مشاركاً في الحوار بين فتح وحماس في لبنان، وبين حزب الله وحكومة لبنان، هو شخصية رئيسية في محادثات ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان، وله علاقة وطيدة مع نظام الأسد وإيران ومع نظرائه في الإدارة الأمريكية.

تعتبره واشنطن “وكيل الشؤون الخاصة”. في تشرين الأول جاء بطائرة خاصة إلى واشنطن، بدعوة من روبرت اوبريان، مستشار الأمن القومي الذي استقبله في البيت الأبيض. التقى إبراهيم أيضاً رئيسة الـ “سي.آي.ايه” جينا هسبيل، ونائب وزير الخارجية للشؤون السياسية دافيد هيل. في المساء تمت استضافته عند نزار زكا، مواطن لبناني يعيش في الولايات المتحدة، الذي كان معتقلاً في إيران مدة أربع سنوات وأطلق سراحه في السنة الماضية بفضل جهود إبراهيم. وفي المناسبة نفسها منحه صندوق تراث جيمس بولي، الذي أقيم باسم الصحافي الذي قتلته قوات “داعش” في 2014، جائزة “تحرير الرهائن” الدولية.

حسب قوله، لم يسمع عن نية فرض عقوبات عليه. بالعكس، فقد كان مصير المواطنين الأمريكيين (اوستن تايس، الصحافي المستقل الذي اعتقل في سوريا في 2012، ومجد كمال ماز الذي اعتقل في سوريا عام 2017) يقف في صلب محادثاته مع كبار الشخصيات الأمريكية. طلب مستضيفوه الاستيضاح حول إمكانية عمل مزيد لإطلاق سراحهم بعد أن عاد المبعوث الخاص، كاش باتل، المستشار الخاص لترامب لشؤون الإرهاب، من دمشق بخفي حنين. عندما عاد إبراهيم من واشنطن سافر إلى دمشق، وعند عودته قال إنه يحافظ على علاقة ثابتة مع والدة تايس ويبذل جهوده من أجل إطلاق سراحه، لكنه لم يوضح إذا كان قد حصل على موافقة من سوريا لإطلاق سراحه.

تعرف الإدارة الأمريكية تشعب شبكة العلاقات التي يحظى بها إبراهيم مع حزب الله وسوريا وإيران. وقال مصدر سياسي أمريكي للصحيفة إن لإبراهيم دوراً كبيراً في تسوية الأمور قبيل تشكيل حكومة جديدة في لبنان برئاسة سعد الحريري، وأن الإدارة الأمريكية تولي أهمية كبيرة لإسهامه في استقرار الساحة السياسية في لبنان.

إذاً ما الذي دفع أعضاء مجلس الكونغرس لفرض عقوبات شخصية عليه؟ يكمن الجواب كما يبدو في قصة شخص أمريكي آخر هو عمار الفاخوري، الذي كتب عنه هنا في آذار الماضي. الفاخوري الذي كان مدير سجن الخيام، غادر لبنان إلى الولايات المتحدة في العام 2000، وافتتح مطعماً فاخراً وبدأ حياة جديدة. في السنة الماضية، عاد إلى لبنان بعد حصوله على تعهد من الرئيس والحكومة اللبنانية بأل يصيبه مكروه، ولكن تم اعتقاله في أعقاب ضغط عام. ثم أطلق سراحه عقب تهديدات من الإدارة الأمريكية بإلحاق عقوبات على لبنان. توفي الفاخوري بسبب المرض بعد خمسة أشهر على ذلك.

أثار إطلاق سراحه ضجة كبيرة في لبنان، وتحديداً على خلفية خضوع الحكومة وجهات الاستخبارات لمطالب الولايات المتحدة. وقالت عائلته إنه تحدث قبل موته عن تعذيب شديد تعرض له في المعتقل، وقال إنه لم يقدم له علاج طبي. وأعلنت العائلة أنها ستبذل كل ما تستطيع من جهد لتقدم المسؤولين عن اعتقاله وتعذيبه للمحاكمة، وعلى رأسهم إبراهيم الذي اعتبر بصفته رئيس المخابرات العامة المسؤول المباشر والرئيسي عن هذه القضية، في نظرهم.

نستنتج أن مشروع قانون العقوبات هذا يضع الإدارة الأمريكية في معضلة معقدة. وإذا صودق عليه يتوقع أن تفقد الإدارة أحد الوسطاء الأكثر أهمية في إدارة المفاوضات بشأن إطلاق سراح المعتقلين الأمريكيين، ورجل اتصال مهماً لمعالجة الأزمة في لبنان. وإذا فرضت الإدارة الأمريكية الفيتو على مشروع القانون فستظهر وكأنها لم تؤيد محاربة مصادر تمويل حزب الله. وفي هذه الحالة، سيكون إبراهيم نفسه في وضع محرج، حيث سيتضح حينها أنه الشخص الذي يثق به الأمريكيون، الذين لم يترددوا في فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين آخرين، لكنهم أعفوا رئيس المخابرات منها.

هآرتس