إيران… بين سياسة اللعب بالنار والمحافظة على خط العودة
واصلت إيران استفزاز الغرب، نهاية الأسبوع، في محاولة للتخلص من ضائقتها المتعاظمة، التي هي نتيجة مباشرة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والعقوبات التي فرضتها على طهران في أعقابه.
إن احتجاز ناقلة النفط التي حملت علم بريطانيا كان خطوة أخرى في سلسلة طويلة من الأعمال، بما فيها المس بما لا يقل عن أربع ناقلات نفط في الخليج، وإسقاط طائرة أمريكية مسيرة، وتجاوز كمية ومستوى اليورانيوم المسموح لها بالتخصيب وفقاً للاتفاق النووي. يدور الحديث عن سياسة إيرانية واضحة للسير على الحافة: أعمال “صغيرة” ظاهراً، أي منها بحد ذاته لا يبرر الخروج إلى حرب أو إلى خطوة عنيفة من الجهة الأخرى، ومن كل واحدة منها يمكن لإيران (إذا قررت) أن تتراجع فوراً كي تبرد الخواطر وتمنع احتدام التوتر.
بالمقابل، إيران مصممة على أن تطلق الإشارة بأنها ستعمل ضد من ترى أنه يعمل ضدها. فاحتجاز الناقلة البريطانية كان رداً مباشراً على احتجاز الناقلة الإيرانية في جبل طارق. وهاجمت وسائل الإعلام في لندن أمس، وعن حق، الأسطول الملكي لعدم إحباطه العملية الإيرانية، التي كانت مكتوبة على الحائط، وهكذا علقت حكومة بريطانيا في أزمة دبلوماسية غير مرغوب فيها، فيما تعيش المملكة حالة فوضى سياسية حول صراعات القيادة والجهود الفاشلة للانفصال عن أوروبا.
غير أنه مشكوك أن تغير هذه العملية الخط البريطاني (والأوروبي) ضد إيران. في لندن يبحثون عن حل دبلوماسي للأزمة، حين يكون الانسحاب من الاتفاق النووي والانضمام إلى الولايات المتحدة غير موجود في هذه المرحلة على جدول الأعمال. ومن الجهة الأخرى، إذا كان الأمل الإيراني في أن تضغط لندن على واشنطن للتراجع عن العقوبات مآله أن يخيب الأمل، مثلما شهدت الأقوال الحازمة للرئيس ترامب في نهاية الأسبوع. ومع ذلك، واضح أن الولايات المتحدة لا تبحث الآن عن الحق: حين تكون سنة الانتخابات للرئاسة على الأبواب – ورغم تعزيز القوات في الخليج بسرب طائرات قتالية وبمئات الجنود الذين سيرابطون في السعودية – معقول ألا تكون المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران هي السيناريو المفضل في واشنطن إذا لم تحشد إيران سلسلة خروقات الاتفاق والمس بالمصالح الغربية، وواصلت الأطراف اتخاذ خط أعمال صغيرة ترافقها خطابية حماسية من جهتها، ولكن في ظل ترك فسحة واسعة للمحادثات – العلنية أو السرية – على اتفاق نووي متجدد.
إسرائيل في هذه الأثناء خارج هذا التصعيد. وفي وضع الأمر القائم، عليها أن تترك قيادة الصراع للأمريكيين. ولكن عليها أن تتأكد من صون مصالحها في كل واحد من السيناريوهات. في حالة تصعيد محتمل، تكتيكي أو واسع، عليها أن تتأكد من أن الخطوات العسكرية لا تنتقل من الخليج إلى الشرق الأوسط وتؤدي إلى مواجهة عسكرية مع حزب الله، في الجولان أو في غزة؛ وفي حالة استئناف محادثات النووي عليها أن تتأكد من أن كل اتفاق متجدد سيتضمن على الأقل ثلاثة عناصر: تمديد مدة الرقابة على البرنامج النووي لطهران لعشرات السنين، وتقييد قدرة إيران على تطوير صواريخ باليستية، وتقليص صناعة الإرهاب إلى تصدرها طهران إلى جملة من الجهات.
لقد وقف هذا النشاط الإرهابي في مركز هجوم خفي نفذ أول أمس ضد ما أفيد بأنه قاعدة من ميليشيات شيعية في شمالي العراق. فقد شغّلت إيران في السنوات الأخيرة عشرات المقاتلين الشيعة الذين جندتهم ودربتهم على القتال لإنقاذ نظام الرئيس الأسد في سوريا. ومع انتهاء الحرب، خططت إيران لأن يرابط بعضهم على الحدود مع إسرائيل، ولكن النشاط الإسرائيلي المكثف ضد تثبيت الوجود الإيراني في سوريا ألزم طهران بتغيير خططها وإطلاق معظم المقاتلين الشيعة إلى القواعد في العراق. وأعربت محافل أمنية في البلاد عن قلقها لذلك في أثناء السنة الأخيرة، خوفاً من أن تقام على الأراضي العراقي قواعد صواريخ تستخدم في المستقبل للأعمال ضد إسرائيل.
يبدو أن من عملاً قرب تكريت سعى لأن يجعل من الصعب تثبيت التواجد الإيراني في العراق أيضاً. والعلم بأن الهجوم نفذ لطائرات مسيرة مسلحة؛ نفت الولايات المتحدة أن تكون طائراتها هي التي نفذت الهجوم، ولكنها ليست الوحيدة التي تستخدم الوسائل القتالية في المنطقة، الأمر الكفيل بأن يدل على أن المعركة السرية والعلنية ضد التواجد الإيراني بوسعها أن تتسع إلى مناطق جديدة وبعيدة أيضاً.
إسرائيل اليوم
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews