محفزات ارتداد الأسهم لا تزال واهية
مثلما حدث بعد الشروع في تخفيض التيسير الكمي عام 2013، فسر العديد من المستثمرين التحول بأنه شكل من أشكال الاستسلام من جانب الاحتياطي الفيدرالي. ومن المؤكد أن ذلك سيعزز قدرة الأسواق على الإقناع في عالم تعوق الديون المتراكمة فيه عملية النمو الفعلي.
كان رد الفعل الحماسي للأسهم الأمريكية تجاه انعطاف سياسة الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماعه الأخير، بمثابة تذكير مهم بالعلاقة الجدلية بين أقوى البنوك المركزية في العالم، وأكبر سوق للأوراق المالية.
ونتج التحول الدرامي عن إرسال الاحتياطي الفيدرالي عدداً من الإشارات الواضحة حول سياسته، أزالت عقبة كبيرة أمام تحقيق مكاسب في أسعار الأصول واستقرارالأسواق. لكن هذا وحده لا يكفي لإفساح الطريق أمام العودة إلى الأيام الذهبية لعام 2017، التي أعطت المستثمرين كل ما يتمنون. وتبقى هناك حاجة ملحة لسماع المزيد من الأخبار المشجعة حول الاقتصاد العالمي.
وبعد أسوأ أداء للأسهم في ديسمبر/كانون الأول 2018 جاء يناير/ كانون الثاني 2019 مختلفاً جذرياً ليسجل أفضل أداء على أساس شهري للأسهم منذ 30 عاماً. وأتيحت للمستثمرين فرصة تعويض نصف خسائرهم. وكان التغيير في لهجة الاحتياطي الفيدرالي هو السبب الرئيسي. وقد بدأ ذلك بإشارات مخصصة من مسؤولي البنك المركزي، وبلغت ذروتها في بيان رئيس المجلس الذي أدلى به بنهاية دورة انعقاد لجنة الأسواق المفتوحة الدوري. ووفرت هذه الإشارات الرسمية كل ما كانت الأسواق تبحث عنه، ليس فقط تأكيد نهج «التريث» من مجلس الاحتياطي الفيدرالي في زيادات أسعار الفائدة في المستقبل، ولكن أيضاً التخلي عن فكرة «المسار التلقائي» في تحديد كمية السندات التي يطرحها للبيع في عملية تقليص ميزانه العمومي.
ومثلما حدث بعد الشروع في تخفيض التيسير الكمي عام 2013، فقد فسر العديد من المستثمرين هذا التحول بأنه شكل من أشكال الاستسلام من جانب الاحتياطي الفيدرالي. ومن المؤكد أن ذلك سيعزز قدرة الأسواق على الإقناع في عالم تعوق الديون المتراكمة فيه عملية النمو الفعلي في الاقتصاد، ويبقى هشاً أمام التغيرات العشوائية في أسعار الأصول. وبدا أن هذا التحول يمثل تخلياً من قبل رئيس المجلس الجديد جيرومي باول، عن انتهاج مسار أكثر استقلالية عمّا يجري في الأسواق، ولو مؤقتاً، بتشجيع الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي.
والواقع أن الآثار المترتبة على المستثمرين والمتداولين تتجاوز الانكماش في نواتج الأسواق الأكثر إثارة للقلق. كما أنه يساعد على تجنب هوس البيع وقت الطفرة، حتى في حال تخلي المستثمرين عن فكرة استغلال نشاط الأسواق لشراء المزيد من الأسهم.
ولا بد من التأكيد هنا على أن استعادة الأسواق كلاًّ من العناصر الفنية و السياسة مهم جداً للعودة إلى التناغم الثلاثي لعام 2017 الأكثر أهمية للمستثمرين، المتمثل في ارتفاع التوقعات بشأن العائدات، وتدني نسبة التذبذب والترابط بين أسعار الأصول، بما يقلص نسبة المخاطر، لكن ذلك لا يعني أننا لسنا بحاجة للاطمئنان على أساسيات الاقتصاد ككل.
الجدير بالتركيز هنا هو أن الاقتصاد الأمريكي ليس هو القضية؛ لأن إنفاق الأسر والشركات بات في وضع جيد، و سوف تعزز جودته خطط الدعم الذي يقدمه الكونجرس لبرنامج البنية التحتية المحفز للنمو. وجاء تقرير الوظائف لشهر يناير مشجعاً أيضاً. كما أن عدد الشركات التي تتجاوز أرباحها التوقعات يؤكد أن الشركات الأمريكية تمكنت إلى حد كبير من اجتياز البيئة الدولية الأكثر تحدياً، في وقت يتم إحراز تقدم في حل التوترات التجارية مع الصين. وكل ما تحتاج إليه الأسواق هو تحسن في آفاق اقتصاد كل من الصين وأوروبا.
ولا تزال البيانات المتكررة تشير إلى تراجع الزخم الاقتصادي في الصين. كما تؤكد أن محاولة بكين لتحفيز الاقتصاد باستخدام تدابير السياسة التقليدية لا تحقق نفس الفاعلية كما كانت في الماضي. وفي ظل غياب الجهود المخلصة لإجراء إصلاحات هيكلية أعمق، سوف يستمر الاقتصاد في مواجهة المطبات والتشوهات المالية.
والوضع في أوروبا أسوأ طبقاً لما أظهرته بيانات النمو في الربع الأخير في منطقة اليورو؛ حيث تناضل أكبر خمس اقتصادات في المنطقة من أجل توفير أي قوة دافعة للنمو. وفي غياب أي مؤشرات على تحسن النمو يبقى المتهم الأساسي في تعطيل الانتعاش هو القرار السياسي.
وحالياً تبدو الأسواق في وضع أفضل مما كانت عليه قبل بضعة أشهر. هذه أخبار جيدة للمستثمرين. لكن الآمال الكبيرة في العودة الكاملة والسريعة لخلطة عام 2017 تتعرض لخطر الانهيار. من هنا نؤكد على دعم الانعطاف في سياسات الاحتياطي الفيدرالي والعوامل الفنية للأسواق، بتحسين مكونات الاقتصاد الأساسية عالمياً، وهو ما لا يبدو ممكناً في المدى المنظور.
الخليج الاقتصادي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews