إدارة المواهب وتنميتها
يرتبط مفهوم إدارة المواهب بمن يعمل على إدارة العنصر البشري، ويعده لاحتياجات المنشأة، "ولا يقصد به الأعمال الفنية أو الإبداعية، إنما يشمل كل المجالات والمهارات"، ودائما ما يدار هذا العمل من قبل فرق مختصة في قسم أو إدارة الموارد البشرية. ولكن لا يشترط أن يكون مديرو المواهب الحقيقيون موظفين في إدارة الموارد البشرية، بل العكس تماما، كل رئيس تعمل تحت رئاسته مجموعة من الموظفين هو مدير للمواهب، وكلما ازدادت ديناميكية العمل ونموه، وتنوعت ملامحه الإبداعية، ازدادت متطلبات إدارة المواهب من قبل هذا الرئيس. في معظم الحالات، لا تنحصر مهام هذا الرئيس أو المسؤول في إدارة مواهب موجودة وجاهزة، وإنما في صنع وتحفيز وإدارة كَمٍّ هائل من العناصر، ومحاولة مواءمتها مع متطلبات العمل؛ لتنعكس في شكل "إدارة فعالة للمواهب". تقوم إدارة المواهب بعملية ربط سحرية بين الإمكانات والطموحات والاحتياجات، وفيها كثير من الممارسات المتقدمة والمصطلحات المتخصصة والأدوات المجربة. وهي - في نظري - أحد أكبر التحديات التي تبرهن للمتابع "وقبله أصحاب المصلحة" على قدرة من يقوم عليها على الربط بين المنشأة واحتياجاتها، وبين العنصر البشري وإمكاناته، فهو مبتكر القيمة وصانع الأداء أو مدمر لهما. أعتقد أن بعض من الأفراد المسؤولين يقفون عائقا حقيقيا أمام بناء وتنمية المواهب في مختلف أنواع المنشآت. قضية إدارة المواهب المحلية الأهم لا ترتبط فقط بمدى حاجتنا إلى متخصصي الموارد البشرية العصريين، الذين يجيدون الربط بين واقع الشباب وآمالهم، وبين واقع الأعمال وتحدياتها، كلا. القضية الأهم ترتبط بقدرة المديرين على اختلاف مجالاتهم على إدارة العنصر البشري، وتحسين مخرجاته بشكل مباشر وفعال في سياق العمل. وسواء كانت أدوارهم الإشرافية محدودة أو كانت قيادية شاملة، فلكل مدير قائمة طويلة من المسؤوليات المرتبطة بإدارة المواهب، وهذا يشمل الاستقطاب والتخطيط والتطوير والتحفيز والاستبقاء والمكافأة، وكل ممارسة تهدف إلى إدارة الموهبة بشكل فعال ومؤثر. مراجعة سريعة لبعض المسؤولين حولنا تفيدنا بأن منهم من يعتمد على غيره للقيام بجزء كبير من هذه الأدوار في إدارة المواهب المهمة، أو أنه قصد البعد الاستراتيجي للقيام بهذا العمل، ولا يعرف مقدار التأثير الممكن لممارساته. فتجده يتحدث عن احتياجاته، ويبرر المشكلة بضعف المواهب المعروضة في السوق، أو يفند تحدياته، ثم يستخدم نظرية البطيخ! فالاستقطاب دائما مفاجأة، إما موظفا ممتازا وإما موظفا تعيسا. ومع الأسف، حظه في كل توظيف مع التعيس! وهذا التبرير مجرد هرب من مواجهة الواقع، والنظر في الأسباب الحقيقية للمشكلة، يتفادى بذلك صاحب التبرير الاعتراف، ويلقي التهم على الآخرين، ناهيك عن أن كثيرا من المديرين في مختلف أماكن العمل يواجهون ضعفا في مهاراتهم الأساسية عند التعامل مع الغير، فكيف يكون الأمر إذا حاول القيام بإدارة الغير. ملاحظة المواقف التي يتحول فيها التحفيز إلى جَلد، والدعم إلى تدمير، والتقدير إلى تجاهل - كثيرة ولا نهاية لها، وهي لا تنبئ عن سوء نية بقدر ما هي إهمال جسيم في السلوكيات الإدارية الأساسية، تلك التي تحتاج إليها بيئة العمل اليوم. المحافظة على الموهبة، وتيسيرها لمصلحة المنشأة، وتوجيهها نحو صنع القيمة المطلوبة - خلاصة منطقية وطبيعية للإدارة الفعالة للموهبة. وفيها يكون المدير المسؤول عن الموظفين مديرا للمواهب، ويكون موظف قسم أو إدارة الموارد البشرية المختص مستشارا متخصصا له؛ فهو يمده بالأدوات والآليات التي تمكنه من إدارة المواهب بشكل جيد، وقد يقدم له بعض الخدمات والمساعدة بشكل مباشر، غير أن دور المدير المباشر لا يزال الأعظم والأهم، وهو ما يفتقده معظم المديرين المباشرين. المشكلة - في نظري - ليست مجرد عدم إجادة المهارات، بل إن معظم المسؤولين يفتقرون إلى أساسيات التعامل مع العنصر البشري، ولا يملكون الثقة بأنفسهم وبمن حولهم، ودور ذلك في صنع القيمة داخل المنشأة، بل يعتقد أن المنشأة قائمة على شخص محدد أو على آلة أو إمكانات مادية معينة، مع أن معظم المنشآت تقوم فعليا بالقوى المجتمعة لموظفيها، وتُحدَّد قيمتها وقيمة ما تخرجه للآخرين بقدرتها على تسخير العنصر البشري لتحقيق أهدافها. من المثير للسخرية أن ثقافة إدارة المواهب تغيب عند كل درجات الهرم، في أعلاه وفي أدناه. من يتعامل مباشرة مع الموظفين ومن يدير منشأة بكاملها. في الحقيقة، تكاد تصبح الأمثلة الجيدة نادرة جدا، تلك الأمثلة التي يحافظ فيها القادة على الموظفين، ويستبقونهم بالرضا والتحفيز، ويصنعون باستمرار القادة الجدد بقوة برامجهم التطويرية، ويحسنون في الوقت نفسه من أداء العمل وجودته. وجود هذه الأمثلة يجب ألا يكون استثناء، مفاهيم وأدبيات إدارة المواهب موجودة في كل مكان، والأدوات القابلة لـ"الأتمتة" لا يمكن حصرها. يظل العنصر البشري في كل المجالات دائما في المقدمة، فكيف في اقتصاد يقوم على الخدمات أكثر من الصناعة؟! يجب أن يكون كل المديرين مديرين للمواهب، ولكن هذا لم يتحقق بعد، ولا أرى كثيرا من المؤشرات التي تفيد بتحققه قريبا.
الاقتصادية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews