كيف غيّرت الحرب ممارسة الدولة السورية للسلطة
غير تدخل روسيا العسكري بسوريا في شهر سبتمبر من عام 2015 موازين القوى، على الأرض السورية لصالح النظام الذي استعاد اليوم سيطرته على أغلب البلاد، كما أدخل موسكو إلى نادي “كبار” المجتمع الدولي. واليوم، وبعد أن بدأ غبار المعركة ينجلي، وينحصر في بعض المناطق خصوصا محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، بدأت ملامح التغييرات الكبرى الطارئة على الدولة السورية تظهر.
وترصد لينا الخطيب، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في معهد الملكي البريطاني للسياسات الخارجية (تشاتام هاوس)، بعض هذه التغيرات مشيرة إلى أن الحرب في سوريا غيرت من مهام وقدرات المؤسسات الرئيسية التي تمارس من خلالها الدولة سيطرتها، أي الأجهزة الأمنية والجيش.
وتضيف الخطيب أن الصراع حوّل سوريا من “دولة ظل”، كان يهيمن عليها الجهاز الأمني إلى “دولة معاملات” يسيطر عليها المتسابقون الموالون للنظام.
لقد أدى صعود الرئيس بشار الأسد إلى السلطة إلى إضعاف نظام السيطرة الذي أقامه والده الراحل حافظ الأسد، حيث كان النظام يعتمد على شبكة من سماسرة السلطة، داخل وخارج مؤسسات الدولة، والذين يتنافسون مع بعضهم البعض لإظهار ولاءئهم للنظام.
ولكن، أدت الحرب الدائرة في سوريا وتدخل فاعلين خارجيين إلى إضعاف هذا النظام بشكل كبير، حيث أصبح النظام يعتمد بشكل متزايد على المنتفعين والداعمين الخارجيين، تحديدا روسيا وإيران، وكل واحدة منهما تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة.
وتشير الخطيب في دراستها، المشتركة مع لينا سنجاب، الباحثة في معهد تاشتام هاوم، إلى أن الصراع تسبب في تقسيم الجيش السوري الذي أصبح أكثر فسادا من ذي قبل، وفي أن يفقد جهاز الأمن قيادته المركزية. كما أدى أيضا إلى ظهور الميليشيات الموالية للنظام، سواء كانت سورية أو أجنبية، وكلها تسعى لتحقيق أهداف أجنداتها الخاصة. ومن غير المرجح أن تتوقف هذه الجماعات المسلحة عن العمل بمجرد انتهاء الصراع، بل وستستمر في ممارسة النفوذ ما دام النظام الحالي لا يزال موجودا في السلطة.
وأدى الصراع كذلك إلى صعود المنتفعين من الجيش وأجهزة الأمن والميليشيات، بالإضافة إلى المستفيدين المدنيين. وهذه الجماعات لها مصلحة في استمرار الصراع. وفي نفس الوقت، تفتقر الدولة السورية إلى القدرة على كبح جماحهم.
وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا مدمرا تسبب بمقتل أكثر من 360 ألف شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
وتعتبر لينا الخطيب أن روسيا وإيران حولت النظام السوري إلى “عميل”، حيث تقوم روسيا بتشكيل مؤسسات الدولة السورية وفقا لمصالحها الخاصة، بينما تزرع إيران النفوذ من خلال مؤسسات الدولة السورية ومن الخارج.
كما حوّلت كلّ من روسيا وإيران سوريا إلى ساحة منافسة عسكرية واقتصادية بينهما. وتؤكد روسيا نفسها كوسيط رئيسي للسلطة في سوريا، لكنها غير قادرة على كبح جماح إيران بشكل كامل.
ويقول خبراء إن معركة إدلب ستحدد ملامح مستقبل سوريا، كما ستحدد مستقبل العلاقة بين موسكو ودمشق. فالمعركة وإن سطرت الفصل النهائي من سيطرة النظام السوري الذي تدعمه، طهران وموسكو، فإنها ستعني أيضا، الدخول في وضع جديد، سيسلط فيه الضوء على ميليشيات إيران متعددة الجنسيات التي أرسلتها لدعم الأسد، وتطالب الولايات المتحدة وإسرائيل، كما حليفتها روسيا، بخروجها من سوريا، وهنا ستكون الخطوة المتقدمة لصالح روسيا، حليفة إسرائيل.
وفي حين يبدو أنَ الأسد قد خرج من منطقة الخطر ولم يعد مهددا بالسقوط، تخلص دراسة معهد تشاتام هاوس إلى أن كل هذه العوامل تعني أن نظام بشار الأسد لا يمكن أن يكون شريكا للمجتمع الدولي من حيث توفير السلام والاستقرار في سوريا. ويجب أن تبدأ أي خطة من قبل المجتمع الدولي لدعم إعادة البناء والاستقرار والقدرة على الصمود في سوريا بعملية جنيف، من أجل حماية التسوية غير المبررة لروسيا، ولنظام الأسد والمنتفعين منه.
العرب الندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews