يجب إنقاذ حماس من نفسها
إن انعدام قدرة حركة حماس على إدارة حياة السكان في قطاع غزة، والتصالح مع حركة فتح والتوصل لتسوية سياسية وعسكرية مع إسرائيل، يؤدي إلى زيادة الانتقاد داخل الحركة وإلى خلافات في الرأي بين النخبة المثقفة والنشطاء الميدانيين. من تصفح صفحات «فيسبوك» ومقالات الرأي لإسلاميين شباب، مثل أحمد أبو رتيمة، وإسلاميين كبار مثل د. خضر محجز ود. أحمد يوسف، بالإمكان أن يتعرف على التغيير الذي يجري في نماذج الخطاب الحمساوي وعلى النقد الذاتي الذي عليها القيام به.
قرارات الدكتور أحمد يوسف، النشيط الحمساوي الذي يقف على رأس (بيت الحكمة) للاستشارة وحل النزاعات، في أن يرفع على صفحته على «فيسبوك» صورة ياسر عرفات محاطا بجماهير الفلسطينيين، وأن يدعو الدكتور عز الدين أبو عياش الذي كتب كتاب «علينا ألا نكره» ـ بالرغم من أنه فقد أبناء عائلته في عملية «الرصاص المصبوب» ـ لإلقاء محاضرة في اجتماع للمعهد، ولإجراء نقاش حول مبادرة المصالحة للدكتور عدنان مجلي ـ تشير إلى منحى جديد في الخطاب الإسلامي. ويشير د. يوسف إلى خطأين أساسيين ترتكبهما، حسب رأيه، الحركة: الأول وضع «الأنا الحزبية» فوق «الأنا الوطنية»، والثاني تبني سياسة الانغلاق والدوغماتية تجاه العالم الغربي.
يعدد الدكتور يوسف سلسلة من الخطوات التي حولت حماس إلى حركة إرهاب غير شرعية ومعزولة: رفضها في أن تضع جانباً خلافات الرأي لصالح الوقوف إلى جانب عرفات بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو؛ ومعارضتها لإشراك فتح في السلطة بعد فوزها في الانتخابات وانزلاقها إلى مواجهة مسلحة معها (2007)؛ وتمسكها في أن تضع المقاومة العسكرية فوق الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لجماهير الغزيين، وفرض خطاب ديني قمعي وفاسد، وتفضيل تحالفات مع دول إسلامية متطرفة على تحالفات مع دول مثل مصر؛ ورفضها التعاون مع الرباعية فوراً بعد فوزها في الانتخابات.
ليس الجميع، مثل يوسف، يريدون إجراء التغيير من داخل الحركة، فهناك من بين مثقفيها أشخاص قرروا الانسحاب وانتقادها من الخارج، ومن بين هؤلاء الدكتور خضر محجز، ابن الـ 66 عاما، وهو كاتب ومحاضر يسكن في قطاع غزة. في صفحته على «فيسبوك» يشرح أن الأحزاب القمعية لم تعد تشكل بيتاً للمثقفين، وقد فقدت شرعيتها الأخلاقية في أن تحكم. «محجز» ينتقد بصورة شديدة التصريحات عديمة المسؤولية لزعماء حماس بشأن الاستعداد للحرب، في حين أنه فعليًا لا يوجد ملاجئ، والمواطنون يستخدمون كدروع بشرية للمقاتلين. وحسب أقواله، حتى خالد مشعل اعترف في أحد خطاباته بأن «المقاومة» فقدت عددا قليلا من الشهداء، أي أن معظم الشهداء هم مواطنون. لا يستثني محجز من انتقاداته مقاتلي الذراع العسكري، الذين ـ حسب ادعائه ـ فقدوا الهالة التي كانت لديهم في نظر شعبهم بعد أن تقلصت المواجهة العسكرية مع إسرائيل ووجهوا بنادقهم اتجاه أبناء شعبهم.
إلى جانب البالغين، هنالك أيضا شبان ينادون بالنقد الذاتي والإصلاح في طرق التفكير التقليدية للحركة، أحد هؤلاء أحمد أبو رتيمة، وهو صحافي يعمل أيضا متحدثا باسم مبادرة مسيرات العودة. يكثر أبو رتيمة من تناول الأزمة الثقافية التي تحل بالعالم العربي الإسلامي، الذي ـ حسب ادعائه ـ تبني الانغلاق الفكري والعنصرية وكراهية الأجانب بدلاً من قيم إنسانية وثيولوجية متنورة. تحويل الخطاب الديني الإنساني والمتسامح لخطاب ديني دوغماتي وقمعي أدى بشبان كثيرين إلى زيادة التطرف والبحث عن انتقام. في الواقع الحالي يعتقد أبو رتيمة أنه ليس للفلسطينيين مناص سوى تأييد حل (الدولة الواحدة) الذي يلائم روح العصر أكثر من الدعوة لتدمير إسرائيل أو المطالبة بإقامة دولة فلسطينية. من أجل هذا عليهم التمسك بالنضال الشعبي غير العنيف الذي يحرم إسرائيل من تبرير العنف تجاههم.
الثلاثة جميعهم يوصون حماس بأن تضع «الأنا» الوطنية فوق «الأنا» الحزبية، وأن تنهي الانقسام، وأن تنشئ حزبا مدنيا وبراغماتيا يضم نساء ومسيحيين، استعدادا لإنشاء سلطة مع أجسام وطنية وليبرالية؛ وتأسيس ثقافة تنظيمية جديدة تشجع التعليم السياسي وحرية التعبير والنزاهة والاستقامة، ثم الفصل بين الجسم العسكري والسياسي، وتبني سياسة انفتاح تبرز الطابع المدني المتوازن للحركة ومعارضتها للتطرف والإرهاب، وكذلك ترسيخ الوثيقة السياسية الجديدة كمصدر للصلاحيات للحركة بدون أن تكون مقيدة بمنشورات سابقة (وثيقة حماس)؛ والاعتراف أيضا بأن الكيان الإسرائيلي موجود، ولكن ليس بالضرورة الاعتراف به. بالإمكان احترام عقيدة أهل الكتاب اليهود والنصارى، وفي الوقت نفسه معارضة الاحتلال والمطالبة بإعادة اللاجئين إلى أراضيهم.
بالإجمال، إذا أرادت حماس أن تعيش سياسياً فعليها التحرر من الفرضيات الأساسية الدوغماتية وعن الأهداف غير الممكنة التي وضعتها لصالح أهداف حقيقية وممكنة في ظل ميزان القوى الحالي. إلى جانب ذلك، إذا أرادت القيادة الإسرائيلية تسوية سياسية بعيدة المدى يجب عليها أن توضح لحماس بأنه لا يوجد أي احتمال للتوقيع على اتفاق منفصل معها كنتيجة لمواجهة عسكرية.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews