نداء تونس وخيار العودة إلى المعارضة: تأكيد للفشل
يمر حزب نداء تونس حاليا بواحدة من أصعب المراحل وأدقها منذ تأسيسه في منتصف سنة 2012، فالحزب يعرف انشقاقات بالجملة وانسحابات بالعشرات وبلغ صدى التلاوم بين شقوقه مدى يصمّ الآذان كما يكشف مستوى الخطاب السياسيّ بين المغادرين والباقين أنّ "فتنة سياسية" يصعب جسرها وردمها، ضربت هياكل الحزب.
الحزب، الذي بدأ الولاية الرئاسية والبرلمانية مترئسا للكتل النيابية ومتربعا على عرش قرطاج (مقر الرئاسة) والقصبة (مقر الحكومة) وباردو (مقر مجلس نواب الشعب)، أصبح اليوم متذبذبا بين المرتبة الثانية والثالثة من حيث المقاعد النيابية وسط حديث عن عودته إلى صفوف المعارضة، فيما الشُقة المطردة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء من جهة ورئاسة الحزب والحكومة من جهة ثانية يصعب استجلاؤها وفهمها صلب تنظيم سياسي واحد.
وكما كان الصعود من الفكرة إلى الإنجاز ومن المعارضة إلى سدّة السلطة سريعا وكاسحا، فإنّ الاهتراء والتآكل الأفقي والعموديّ كان بسرعة تشكّل أحزاب ما بعد الثورة في تونس، فأن يكشف القيادي في نداء تونس خالد شوكات أنّ الحزب قد يفكر جديا في العودة إلى صفوف المعارضة عن البقاء ضمن الحزام الداعم للحكومة لهو دليل بأنّ الحزب دخل مرحلة “الخيارات الكبرى” بعد أن فشل في تأمين الخيارات التكتيكية، وهي خيارات قد تكون باهظة الثمن سياسيا واستراتيجيا.
يكتنف طرح خيار العودة إلى المعارضة اعترافا بالعجز عن إسقاط حكومة يوسف الشاهد وتفعيل النقطة 64 من وثيقة قرطاج 2، كما أنّه يحتوي إقرارا بالقصور عن اللعب في هوامش الاختلافات بين شروط النهضة وطموحات الشاهد الانتخابية، والأخطر أنّه يتضمن فشلا في تأمين المهام الموكلة للحزب من قبل الناخب الوطني والكامنة أساسا في منع استفراد حركة النهضة بالمشهد السياسي والحيلولة دون أخونة الدولة وتحقيق معدلات معقولة من التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ولا شك في أن خطة الانتقال إلى المعارضة تحتوي على خطر سياسي وانتخابي كبير، فكيف لمقترع منح صوته للنداء ليقود البلاد وليكون فاعلا تنفيذيا وتشريعيا أولا لا منفعلا نيابيا أولا، أن يجدد ثقته بنفس الأطراف السياسية التي بددت أحلامه وطموحاته.
وهي أيضا خطة غير محسوبة العواقب لأنّ معارضة الحكومة لن تستدرّ معها معارضة للحكم، فهي وإن عارضت الشاهد فستكون بالضرورة موافقة لرئيس الجمهورية وبالتالي ستفرز خلطة هجينة “من معارضة القصبة ومعاضدة قرطاج”، ستزيد الحزب اهتراء وتذبذبا.
كما أن هذه الخطوة تصب في صالح حركة النهضة التي يفيدها أن يتصدر المشهد السياسي سياسيون عاجزون عن إدارة التوافق أو حصر التناقض.
كان يمكن لهذه الخطوة أن تحدث زلزالا في المشهد السياسي التونسي لو أنّها حصلت عندما كان نداء تونس أغلبيا في الكتل النيابية، فمجرد التلويح بها يفرض على النهضة الخروج من حالة “الرمادية الوصولية” ويجبرها على حسم خيارها بين “حكومة أقلية دون النداء” أو “شراكة وفق شروط النداء”، أمّا عندما يخسر الأخير الزمن السياسي وقوة المبادرة فهو يخسر الكثير من راهنه ورهاناته أيضا.
إشكالية نداء تونس الكبرى اليوم كامنة في أنّ استعصاء الشاهد تحوّل من إشكال بين النهضة والنداء إلى معضلة بين الندائيين أنفسهم، ولا يبدو أنّ الحزب قادر اليوم على دفع الشاهد إلى الاستقالة أو تغيير موقف النهضة راديكاليا أو حتّى الاستثمار الجيد في موقف النهضة الأخير بعدم ترشّح الشاهد وطاقم حكومته إلى الانتخابات القادمة.
هي “الفتنة الكبرى” التي ضربت أهمّ حزب سياسي في تونس وركنا من أركان التوازن في البلاد، فالتلاحم بين القيادات ذاتها بات مفقودا والتواصل بين القواعد والقيادات معدوم، و”الكتلة التاريخية” التي استبشر بها الرأي العام التونسي باتت متشرذمة على أكثر من شقّ والخوف من التحول من “كتلة تاريخية” إلى “كتل للتاريخ”.
نداء تونس يحتاج اليوم إلى مؤتمر تصحيحيّ حقيقيّ يفتح كافة الملفات الحارقة ويناقش كافة المسائل المستعصية ويمنح الشرعية الحزبية لمن يستحقّ، وهو مع ذلك في أمس الحاجة إلى شخصيات وطنية رمزية ليس بالضرورة أن تكون ندائية تضع لبنات التوافق وتمنح حق الإشراف على مسارات الإصلاح والمصالحة العامّة.
دون ذلك فإنّ الجرح الندائي غائر ومفتوح والفتنة الحاصلة اليوم هي محل استثمار من أكثر من طرف سياسي وغيره، وتكرار سيناريو خسارة الانتخابات البلدية والمحلية ليس ببعيد…
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews