الحقيقة هي أننا ندير ظهرنا للاجئين
في مقال «توقفوا عن المقارنة بين طرد المتسللين وجرائم النازيين» (هآرتس، 16/3)، يوبخ غادي تاوب ونسيم سوفر الاشخاص الذين يساوون بين سياسة الطرد التي تتبعها اسرائيل ضد طالبي اللجوء الأفارقة وبين العلاقة تجاه اللاجئين اليهود قبل الحرب العالمية الثانية.
لقد دعا تاوب وسوفر إلى «إعادة النقاش إلى أرض الواقع»، وحسب أقوالهما «لا يوجد أحد من الذين يتعاملون مع هذا الموضوع يدّعي أن المطرودين ينتظرهم الموت، أو التعذيب والاغتصاب في الدول التي سيذهبون اليها في الطرد المخطط له… في هذا الشأن، ببساطة لا توجد نظرة واقعية».
من هنا يمكن الاستنتاج بأنه إذا لم يكن ينتظر المطرودين مصير الموت والاغتصاب فإن اعادة طرد 40 ألف طالب لجوء إلى افريقيا هو على الاقل أمر معقول. لكن تاوب وسوفر وجزء كبير من النقاش الجاري حول سياسة الطرد يغيب عن بالهم السؤال المركزي. السؤال هو ليس لماذا لا نطرد، بل لماذا لا نستوعب. إذا طرحنا السؤال بهذه الصيغة فإن المقارنة مع سنوات الثلاثينيات في أوروبا، تتحول إلى أمر ذي صلة. أزمة اللاجئين الأفارقة هي أزمة عالمية، ومعظم الدول الغنية والمتنورة في العالم تضطر إلى مواجهتها. النقاشات حول سياسة الهجرة تعصف بالدول الاوروبية، لكن ليس هناك تقريبا خلاف على أن نسبة معينة من اللاجئين سيتم استيعابهم في اوروبا. في معظم الدول الاوروبية تتراوح نسبة اللاجئين بين 1 ـ 2 في المئة من السكان. وبحساب معين، يتضمن مثلاً لاجئين استوطنوا وحصلوا على إقامة قبل سنوات، يمكن أيضاً أن نصل إلى نسبة 5 في المئة. دول بحجم اسرائيل مثل السويد وفنلندا والنرويج وغيرها استوعبت لاجئين بنسب أعلى بكثير من اسرائيل. في السويد التي يعيش فيها 10 ملايين مواطن، استوعبت 481 ألف لاجيء. بلجيكا استوعبت 229 ألف لاجيء، والنرويج 118 ألف لاجىء. الأفارقة الذين وصلوا إلى اسرائيل يشكلون 0.5 في المئة من عدد السكان. يبدو أنها النسبة الأقل بين الدول الاوروبية الغربية. السؤال الذي يجب طرحه هو هل دولة اسرائيل، وهي الدولة القوية والغنية حسب كل الآراء، لا تستطيع الإسهام في الجهد العالمي هذا، ولو بالحد الادنى.
مواطنون متنورون في دولة متقدمة عليهم أن يطالبوا دولتهم بالمشاركة في الجهود العالمية، مثلا، خفض انبعاث غازات الدفيئة أو الحفاظ على التنوع الحيوي. هم أيضاً يمكنهم مطالبة دولتهم بالاسهام في الجهود العالمية لاستيعاب البائسين من افريقيا. مواطن اسرائيلي من حقه أن يسأل هذا، لا سيما على خلفية حقيقة أن دولته تتوقع من دولتين فقيرتين ومتخلفتين، اوغندا ورواندا اللتين فيهما الناتج القومي الاجمالي المحلي هو عشر الناتج في اسرائيل، الإسهام في تحمل هذا العبء بدلاً منها. لماذا بالاساس، هل لأن للمواطنين فيهما لون جلد يشبه لون جلد من نريد طردهم؟.
إن تدفق اللاجئين إلى اسرائيل كان حدث لمرة واحدة، توقف في أعقاب إقامة الجدار على الحدود مع مصر. لذلك، من غير الواضح ايضا ما هو الضرر بالضبط الذي سيتسبب للمجتمع الاسرائيلي من الاستيعاب، المؤقت أو الدائم، لعشرات الآلاف هؤلاء إذا تم القيام بهذا الاستيعاب بصورة مناسبة ومخططة وليس على حساب سكان جنوب تل ابيب. في الخطاب المتقدم في اوروبا هناك ايضا من يرون مزايا اقتصادية وثقافية. لقد حان الوقت لفحص هذه المسألة في اسرائيل ايضا. تقرير أعده مركز «روفن» ومعهد «إي.آر.آي» اللذان فحصا هذا الموضوع، يشير إلى امكانية اقتصادية كامنة كبيرة موجودة في استيعاب اللاجئين.
في هذا السياق يمكن العودة إلى المقارنة. إسرائيل ليست ألمانيا النازية، وليست مثل الدول التي أغلقت أبوابها أمام اللاجئين اليهود القادمين من أوروبا. ولكن اسرائيل انشئت، ضمن أمور أخرى، بقوة الطلب الانساني الذي برز في أعقاب ضائقة اللاجئين اليهود بعد الحرب العالمية الثانية، وميثاق اللاجئين صيغ كاستنتاج مباشر من مصير اللاجئين اليهود هؤلاء. واذا لم يكن هناك مكان للمقارنة المباشرة، ألا يجب على اسرائيل الإسهام بنصيبها في الجهود الإنسانية الدولية من أجل اللاجئين كاستنتاج من هذا التاريخ؟ هل من الأكثر عدالة أن تتحمل أوغندا ورواندا هذا العبء بدلاً منا؟. في نهاية النقاش في محكمة العدل العليا في الاسبوع الماضي قارن الكاتب دافيد غروسمان بين مصير جدته وبين مصير اللاجئين الأفارقة. بروح مقال تاوب وسوفر يمكن الجدال على النصف الاول من أقوالهما: «قبل أربعين سنة قام ملّاح إسرائيلي برمي مسافر أسود من فوق ظهر سفينته أمام شواطىء موزامبيق. عندها ضجت الدولة. الآن نحن ننوي رمي 40 ألف شخص إلى البحر، لأسماك القرش». ولكن لا يمكن في الحقيقة الجدال مع النصف الثاني: «جدتي طرقت أبواب هذه البلاد، والجميع كان لديهم جد أو والد جد طرق الابواب، ولم يكن هناك من يفتح، والآن نحن ندير ظهرنا ونتصرف بفظاظة وقسوة. إدارة الظهر تقول إنه في الحقيقة كان هناك منطق بالشكل الذي تصرفوا فيه مع آبائنا».
هآرتس 2018-03-21
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews