المشير في الأمم المتحدة.. سياحة أم سياسة؟!
الأنظار متجهة نحو الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنتهي في الخامس والعشرين من هذا الشهر، وتنعقد في جو قاتم وغير مستقر، والعالم يئن من صراعات وحروب؛ بينية وأهلية ودينية وعرقية ومذهبية وحدودية. ومن الصعب استثناء مكان في العالم لا يواجه هذه الأخطار؛ خاصة في شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين وتخوم روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، ويعود ذلك إلى تجارب نووية واختبارات لصواريخ باليستية تجريها كوريا الشمالية.
في الوقت نفسه فإن حال بلدان «القارة العربية» النازفة والمنقسمة يزداد تعقيدا، وتتسع فيها بؤر الاشتعال منذ ما قبل وضع فلسطين رهن الاغتصاب إلى أن تم شطبها من الخرائط، وامتدت إلى تفكيك الصومال، وغزو العراق، وضرب لبنان، وتدمير ليبيا، وتدمير سوريا.
وتنعقد الدورة الحالية للجمعية العامة مع تفكيك الدول وإعادة رسم خرائط البلاد على مقاييس المصالح والمطامح الصهيونية العالمية، وهو موضوع يطول شرحه، ولا توفيه هذه المساحة حقه. ونكتفي هنا بعرض سريع لمشاهد ثلاثة من مقر الأمم المتحدة بنيويورك؛ تكشف ما وصل إليه الهوان العربي:
المشهد الأول.. لواحدة من زيارات «المشير» في سلسلة الزيارات المتكررة لنيويورك، والمشاركة في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة..
المشهد الثاني.. يبين حرص «المشير» على تجديد علاقته «الحميمية» التي تربطه بالرئيس الأمريكي؛ دونالد ترامب..
المشهد الثالث.. لأول «لقاء معلن» بين «المشير» ورئيس الوزراء الصهيوني؛ بنيامين نتنياهو، وعلاقته بـ «المصالحة الفلسطينية».
المشهد الأول يجسد الحماس الزائد لحضور «المشير» اجتماعات هذا المحفل الأممي، الذي «شرعن» للمظالم في أركان الدنيا الأربعة، وعجز عن تطبيق قرار واحد يخص العرب على تل أبيب، و«المشير» هو الرئيس الوحيد الذي لم يتخلف عن المشاركة السنوية مهما كانت ظروفه. ففي أقل من أربع سنوات؛ شارك في أربع دورات؛ 2014.. 2015.. 2016.. وأخيرا دورة 2017؛ وفي مثل هذه الزيارات، فحقائبه جاهزة وطواقمه مستعدة للإقلاع معه.. رغم ما رسخ في ذهنه من أن المصريين «فقرا قوي»؛ وهو أحد هؤلاء «الفقرا قوي»!!، ويريد أن يقول أنه الغني الوحيد وسط ذلك الشعب الفقير جدا؟!. ولن نتوقف كثيرا أمام مثل هذا الكلام بعد تصريح رئيس جامعة القاهرة السابق؛ جابر جاد نصار، بأن مصر «غنية غنى فاحش»، والمعنى في بطن الأكاديمي الكبير، الذي قد يسأل ولا يجد ردا عن الفساد المقنن والنهب المنظم، الذي تديره الدولة وتشجع عليه.
وعلى «المشير» أن يتقدم بكشف «ذمة مالية» يبين فيه تكلفة هذه الرحلات.. وعدد الأطقم والمرافقين.. وبدلات السفر.. ومدد الإقامة وتكلفتها في فنادق نيويورك الأغلى عالميا.. ورحم الله عبد الناصر الذي حضر أعمال دورة 1960 وأقام في حي «هارلم»، الذي يسكنه الزنوج، ونسي «المشير» أن هناك رئيسا أسبق؛ ما زال على قيد الحياة؛ قضى سنوات في السجن لصرفه أموال الدولة في ترميم وتجديد مسكنه الخاص، واسْوَد سجله إلى أن يجد من يُرَد له اعتباره!!
ولنتأمل تصريح رئيس قطاع الإعلام الخارجي بالهيئة العامة للاستعلامات؛ عبد المعطي أبو زيد؛ لـ«بوابة الوفد الألكترونية»؛ وقال: «إنّ اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الجارية تعد الدورة الرابعة التي يُشارك فيها المشير، على التوالي» وأضاف أنه أول رئيس يحضر أربع دورات مُتتالية للجمعية العامة!!.. وعقد عشرات اللقاءات والاجتماعات، ففي المرة الأولى عقد 40 لقاءً منفصلًا مع قادة العالم ورؤساء حكومات ورؤساء وفود، وفي الثانية عقد 22 لقاءَ قمةٍ مع عدد من رموز العالم، وفي الثالثة عقد 20 لقاءً؛ منهم لقاءان بمرشحي الرئاسة؛ دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. ومنذ تقلد المنصب وهو أشبه بـ«ابن بطوطة» المعاصر؛ أغلب وقته في زيارات خارج بلده؛ ولأنه غَيَّب السياسة وحَرَّمها وجَرَّمها، ولهذا فزياراته ورحلاته للسياحة وليست للسياسة، وإلا كان المصريون؛ «الفقرا قوي» قد لمسوا جدواها!.
المشهد الثاني: تجديد وتأكيد علاقته بالرئيس الأمريكي، التي لم «يهزها ريح» ولم يؤثر فيها قرار سلبي لـ«الكونغرس» بشأن مساعدات مقررة لمصر؛ وصفته وزارة الخارجية المصرية بـ«المؤسف»؛ حسب ما جاء على موقع «سي إن إن» الأمريكية الشهر الماضي.. وعلاقة «المشير» بترامب أشبه بـ«زواج كاثوليكي»؛ وذلك وصف أطلقه الوزير الوفدي أمين عثمان في أربعينيات القرن الماضي على علاقة بريطانيا المحتلة بمصر، وتسبب في اغتياله. وللتذكرة فإن واشنطن ألغت مئة مليون دولار مقررة للقاهرة، وجمدت صرف 195 مليون دولار بدعوى انتظار «تحسّن سجل حقوق الإنسان والديمقراطية»، ووصفت الصحف الأمريكية القرار الأمريكي بـ«التوازن بين رغبتها بدعم حليفها في الشرق الأوسط من جهة، وممارسة ضغط دبلوماسي عليه بعد تصديقه على قانون الجمعيات الأهلية من جهة أخرى»!.
المشهد الثالث؛ يعري أول «اجتماع معلن» جمع «المشير» بنتنياهو، وكانت الصور، التي بثتها مواقع التواصل الألكتروني، أبلغ من أي تفسير أو كتابة أو تعليق؛ طغت فيها السعادة المفرطة والفرح الزائد على تصرفات «المشير»، وبَيَّن «الضحك الهستيري» مستوى العلاقة الخاصة والوطيدة. التي جعلته يتبادل الضحكات والقفشات بسرور بالغ، وأضفت وكالات أنباء على اللقاء جدية ووقارا ليس فيه، وعلى غير ما استقر في وجدان المشاهدين، وتابعته شخصيا من قلب القاهرة، وبقيت «لغة الجسد» أبلغ وأكثر إفصاحا من أي كلام. وأشارت الوكالات إلى أنه أول «لقاء معلن» جمع «المشير» بنتنياهو، منذ توليه منصبه في 2014، وحضره وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس المخابرات العامة خالد فوزي، ومدير مكتب «المشير» اللواء عباس كامل.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية علاء يوسف أن اللقاء بحث سبل إحياء «عملية السلام»، وإيلاء «المشير أهمية لمساعي استئناف المفاوضات الفلسطينية الصهيونية، والتوصل إلى «حل عادل وشامل»؛ على أساس الدولتين والمرجعيات الدولية ذات الصلة. وهو يعلم أن حل الدولتين مُتَحفَّظ عليه من واشنطن ومرفوض من تل أبيب. وكل هذه التصريحات لتضييع الوقت، وهو ما تحتاجه الدولة الصهيونية لترسيخ أمر واقع بالتقادم، واعتماد «حل صهيوني» قائم على «وطن بديل» وتبادل أراض؛ من خارج حدود فلسطين التاريخية، والرهان هو أن هناك من سيدفع ثمن الأراضي المستهدفة على طريقة تيران وصنافير.
والتقى «المشير» بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعلق الناطق الرسمي باسم «المشير» على أن القضية الفلسطينية «ستظل لها الأولوية في سياسة مصر الخارجية، ومواصلة الجهود الحثيثة مع الأطراف الفلسطينية من أجل رأب الصدع وإنهاء الانقسام بين الفصائل في الضفة المحتلة وقطاع غزة»، واكتفى الطرفان بـ«مواصلة التشاور واستمرار التنسيق المكثف، ومتابعة الخطوات القادمة على صعيد توحيد الصف؛ بما يساهم فى تحقيق آمال الشعب الفلسطينى لإنهاء الانقسام».. وهذه ليست سوى بضاعة مغشوشة؛ بغرض التسويف والمراوغة وكسب الوقت!!.
القدس العربي 2017-09-23
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews