بشكل تاريخي، ارتبط تسعير النفط بالدولار الأمريكي بشكل كامل منذ اكتشافه وحتى اليوم، وأصبح أحدهما هو الوجه الآخر للثاني حتى لم يعد واضحاً أيهما يسعر بالآخر، هل يسعر النفط بالدولار أم أن الدولار يسعر بالنفط؟

ولو عدنا لبداية سيادة وسيطرة الدولار كعملة عالمية لوجدنا أنها جاءت من ربط الدولار بالذهب قبل ارتباط الدولار بالنفط، ففي اتفاقية بريتون وودز الشهيرة في 1944م كانت أمريكا تستحوذ على حوالي ثلثي الذهب في العالم، وتم ربط الدولار بالذهب بمعدل 35 دولاراً للأونصة، وهو ما أعطى الثقة للدولار لأن من يمتلك 35 دولارا كأنه يملك أونصة الذهب وليس بينه وبين الحصول سوى زيارة البنك الفيدرالي.

اتفاقية بريتون وودز تم الغاؤها في 1971م في عهد الرئيس نيكسون، ولكن طول الربط بين الدولار والذهب وكون الدولار بعد ذلك هو العملة الوحيدة لشراء النفط وغياب المنافس وحجم الثقة في الاقتصاد والعملة الأمريكية أبقت على سيادة الدولار وتزعمه عملات العالم دون أية منافسة لليوم.

في الأسبوع الماضي، أعلنت الصين إطلاق عقود آجلة لتجارة النفط مقومة بعملتها المحلية – اليوان أو الرينمبي – والأخيرة تعني بالعربية "عملة الشعب"، ولأن الصين تعلم أن الثقة في عملتها ليست جيدة ولا كافية، فقد أعلنت عن ربط اليوان الذي سيدفع مقابل النفط بالذهب، أي أن من يبيع الذهب في بورصة النفط الصينية الجديدة سيحصل على الثمن باليوان أو بالذهب، وهو ما يعني أن الصين بدأت بتأسيس اتفاقية بريتون وودز جديدة في آسيا، ولكن طرفاها هذه المرة هما الذهب واليوان وليس الذهب والدولار كما في بريتون وودز الأصلية التي سبق ذكرها.

ولأن الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم حالياً، وتملك ثاني أكبر احتياطي من الذهب في العالم، فقد بدأت بكين في رفع مستوى يوانها بخلق بورصة لما يمكن تسميته بــ" البترو ـــ يوان" في مقابل "البترو ـــ دولار"، وهي خطوة ذكية من الصين جاءت بعد اتفاقها مع روسيا في 2014 على دفع قيمة وارداتها من النفط والغاز باليوان وليس الدولار، وبعد اعتماد اليوان من قبل صندوق النقد الدولي في 2016 كعملة عالمية بجانب الدولار واليورو والين والجنية الإسترليني، كما ستكون الخطوة جاذبة للدول النفطية المناوئة لأمريكا وخصوصاً فنزويلا وإيران لبيع نفطها باليوان.

يبقى السؤال المهم هو: هل سيزيل اليوان الدولار كعملة عالمية ويحل مكانه أو ينافسه على الأقل؟ والإجابة الواضحة هي لا، ولكن العوامل الثلاثة التي أعطت للدولار السيادة وهي "الدولار والذهب والنفط" بدأت الصين بإعادة خلطها واستخدامها اليوم مع استبدال الدولار باليوان.

ختاما، مازالت الصين تربط عملتها بالدولار كما أنها أكبر مستثمر في السندات الأمريكية، ولذا فإن أي حديث عن صعود الرينمبي حالياً ليكون عملة عالمية بدلا من الدولار أو مساويا له على الأقل سيكون حديثاً سابقا لأوانه، ولعل الميزة الوحيدة التي تحسب للصين اليوم أنها خلقت مؤشر آسيوي جديد ومفيد لتسعير النفط في قارة تضم عدد من كبار منتجي النفط وعدد ليس باليسير من كبار مستهلكيه.

الرياض    2017-09-16