تحولات الاقتصاد الإسلامي
تحت شعار «استلهام التغيير لغد مزدهر» عقدت في دبي فعاليات النسخة الثالثة من القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي. وركز المؤتمر في حواراته ومحاوره على عدد من العناوين الهادفة لخلق تنمية مستدامة للاقتصاد الإسلامي وجعله بديلا مستقرا لتقلبات الاقتصاد العالمي في الدول العربية والإسلامية.
إذا نظرنا إلى الأرقام والإحصاءات العالمية، يتبين أن الاقتصاد الإسلامي يعتبر من أسرع الاقتصاديات نمواً حول العالم، وتقدر استثماراته بحوالي 8 تريليونات دولار، كما سجلت الأصول المصرفية الإسلامية العالمية معدل نمو تراكميا سنويا بنسبة 16% خلال الفترة من 2008- 2015 لتبلغ نحو تريليوني دولار.
ولا شك أن قطاع الاقتصاد الإسلامي يعد قطاعاً آمناً، حيث أدى تركيزه على بدائل منخفضة المخاطر إلى بقائه في منأى عن الأزمات المالية، والشاهد على ذلك استقرار غالبية اقتصاديات الدول الإسلامية الرئيسية إبان الأزمة العالمية الراهنة التي أسفرت عن تحديات واجهتها معظم دول العالم منذ سنوات.
ولكن بالرغم من هذه المؤشرات يبقى الحديث عن مصطلح "الاقتصاد الإسلامي" حديثا هلاميا وغير محدد المعالم. فهل صحيح أن كل ما يتم استثماره وتوظيفه في اقتصاديات الدول الإسلامي ممكن أن نطلق عليه مصطلح "اقتصاد إسلامي". ولا أعتقد أن الجواب سيكون بالإيجاب لأن غالبية الدول الإسلامية لديها اقتصاد مختلط بين النهج التقليدي والنهج الإسلامي.
لذلك، ولكي يتم العمل من أجل خلق اقتصاد إسلامي مستدام يملك ملامح ومقومات الديمومة والتطور لابد أن يتم العمل على عدة محاور وإستراتيجيات. وفي المقدمة من هذه المحاور أو الإستراتيجيات أن يتم التأسيس لمصطلح الاقتصاد الإسلامي تأسيسا نظريا وفكريا وأن يتحول لعلم بقائم بذاته له نظرياته وأسسه ومنهجه وقواعده وفرضياته وغيرها التي تجعل منه واضح المعالم والمضامين، قابلا للتطور والحياة. وهنا يأتي دور البنك الإسلامي للتنمية والمؤسسات البحثية التابعة له وغيرها من مراكز البحوث الإسلامية المتخصصة بالتعاون مع كبرى الجامعات التي يجب أن تضع برامج بحثية وأكاديمية لتحقيق هذا الهدف.
ويمكن للبنك الإسلامي للتنمية رصد جوائز كبيرة ومرموقة تقدم للباحثين والأكاديميين والعلماء، كما يمكن عمل وقف لهذه الجوائز من المبالغ المحجوزة من العمليات التي يمنع شرعا مزجها مع الدخل الرئيسي لتمويل هذا الوقف. ولا يمكن بغير البحوث الأكاديمية والعملية المعمقة والواسعة الوصول إلى مرحلة النضج للاقتصاد الإسلامي سواء من حيث النظريات أو العقود أو المنتجات والخدمات والهياكل وغيرها التي تحقق دوره كاملا في التنمية الاقتصادية في البلاد الإسلامية وغيرها من البلاد.
وثاني هذه المحاور، نحن نلاحظ أن اقتصاديات كل دول العالم اليوم تقريبا، بما في ذلك اقتصاديات الدول الإسلامية، تقوم على مزيج من النظريات والفلسفات الاقتصادية. ويجب أن نفرق بين حجم منتجات تمويل الاقتصاد الإسلامي التي قدرها البعض بنحو تريليوني دولار وحجم الاقتصاد الإسلامي الذي يعني حجم القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي تدار على أسس إسلامية صحيحة.
فالعلاقة المثلى المفترضة بين التمويل الإسلامي والاقتصاد الإسلامي يجب أن تقوم على تحقيق الكفاءة في الجانبين وليس في جانب واحد. وفي ظل غياب اقتصاد إسلامي غير واضح المعالم والآليات، فإن التمويل الإسلامي قد يذهب للمنتجات والمشاريع المتاحة. ولكن هل هذه الأنشطة هي الأكثر كفاءة أو الأكثر قدرة على تعظيم الفائدة من التمويل الإسلامي من جهة وتعظيم المنفعة الاجتماعية من المنتجات والمشاريع الممولة من جهة أخرى.
الجواب ليس بالضرورة بالإيجاب طالما أن قطاعا كبيرا من الأنشطة والقطاعات بما في ذلك في الدول الإسلامية لم تبلور بعد كيفية تلاقحها مع التمويل الإسلامي وظلت تغرد خارج السرب. وهنا أيضا تقع المسؤوليات على الحكومات ومؤسسات البحث الأكاديمي لتحديد معالم ومعايير الاقتصاد الإسلامي وآليات تلاقح التمويل الإسلامي مع هذه الآليات والفرص المتاحة وفقا لقاعدة الأكثر منفعة اجتماعيا واقتصاديا مثل توفير الوظائف وزيادة الإنتاج وتحسين البيئة وإلى آخره.
وثالث هذه المحاور هي ضرورة قيام مؤسسات القرار المعنية بتنفيذ وتطوير الأنشطة والقطاعات الاقتصادية الإسلامية بالالتزام بالرشد والحوكمة وقياس العائد الاجتماعي والاقتصادي الحقيقي، لأنها تمثل أسسا جوهرية لتحقيق اقتصاد سليم ومعافى يأخذ صفة الاستدامة ويركز على التنمية البشرية والإنتاج، وتمليك القدرات سواء بالمفهوم الحديث للتنمية الاقتصادية أو المفهوم الإسلامي للتنمية الاقتصادية. فلا يمكن تصور وجود اقتصاد إسلامي صحي دون تنمية اقتصادية إسلامية مستدامة. بل هناك علاقة تغذية عكسية أو ارتجاعية وثيقة وعميقة بين نمو واتساع رقعة الاقتصاد الإسلامي وبين تحقيق التنمية المستدامة التي تحقق العدالة الاجتماعية للشعوب الإسلامية، حيث كل منهم يغذي نمو الآخر في سلسلة غير منقطعة من الآثار والنتائج الاجتماعية والاقتصادية الإيجابية للمجتمع.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-10-16)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews