الصناديق الخاصة مالها وماعليها
استكمالا لما تناولناه فى المقال السابق حول ظاهرة الصناديق والحسابات الخاصة نشير الى ان نشأتها أساسا جاءت لتحقيق اهداف معينة ولها كيانات ادارية مستقلة وكان من المفترض ان تمول نفسها ذاتيا من خلال الموارد التى تحددها قرارات انشائها او اللوائح الخاصة بها.
مع ملاحظة ان نشإتها قد جاءت اساسا وفقا لقانون الموازنة العامة للدولة رقم 53 لسنة 1973، والذى سمح بأنشاء مثل هذه الكيانات والبعض الآخر أنشئ بموجب قوانين مثل قانون الادارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 وقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 وقانون التعليم رقم 139 لسنة 1981 والبعض الاخر بموجب قرارات جمهورية او وزارية او قرارات من المحافظين. وبنظرة عامة على الخدمات والانشطة التى تقوم بها هذه الصناديق والحسابات الخاصة فأننا نجد ان الأهداف الأساسية من نشأتها كانت تتمحور حول تمويل المشروعات الإنتاجية والخدمات المحلية واستكمال المشروعات الواردة فى الخطة العامة والتى لا تكفى الاعتمادات المدرجة لها فى الموازنة لإتمامها، فضلا عن القيام ببعض المشروعات بالجهود الذاتية والصرف على الخدمات العامة الحيوية العاجلة. وذلك للتغلب على الروتين الحكومى واعطائها المزيد من المرونة والقدرة على الحركة السريعة لحل بعض المشكلات الملحة للمواطنين والمساهمة فى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية. مع ملاحظة ان مواردها تأتى أساسا من الرسوم التى تفرضها المجالس المحلية او بعض الجهات لمصلحة هذه الحسابات والصناديق بالإضافة الى التبرعات والهبات والوصايا فضلا عما يخصص لها من الموازنة (كنتيجة لزيادة تحقيق زيادة فى الموارد عن الربط فى الموازنة). وتتمثل هذه الحسابات فى صناديق الخدمات والتنمية المحلية وصناديق النظافة واستصلاح الأراضى ومشروعات الإسكان الاقتصادى وتحسين الخدمات الصحية بمديريات الشئون الصحية وحسابات خاصة بمديريات التربية والتعليم بالمحافظات. هذا فضلا عن حسابات إدارة واستغلال والتصرف فى الأراضى والعقارات، خاصة لدى الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية أو هيئة التنمية السياحية أو هيئة التعمير والتنمية الزراعية. الخ. وهنا نلحظ ان بعض هذه الكيانات تقدم خدمات تقوم بها أصلا الوحدات الادارية المختلفة، أو يمكن ان تقوم بها، مما يخلق ازدواجية فى المهام والاختصاصات هذا فضلا عن ان القائمين عليها هم من العاملين اساسا بتلك الوحدات الادارية، بصرف النظر عمن يتم الاستعانة بهم ويعملون بنظام المكافأة من خارج الوحدات. مع ملاحظة انها غالبا ما تؤدى أعمالها ليس فقط باستخدام العمالة الاصلية الموجودة بالوحدة الادارية ولكنها تستخدم ايضا الاصول الثابتة لهذه الوحدات.كما نلاحظ ان بعض اللوائح المالية لهذه الصناديق والحسابات تتيح فرض رسوم على متلقى الخدمة التى توفرها الدولة كالتعليم والصحة وغيرهما، وبذلك اصبحت هذه الصناديق بمنزلة كيانات مستقلة بذاتها، وتعمل وفقا لأسس ولوائح مختلفة. والاهم من كل ماسبق هو اعتمادها التدريجى على التمويل من الموازنة العامة للدولة خاصة فيما يتعلق بالتعيينات اذ تم تعيين نحو 99 ألفا من العاملين بهذه الكيانات داخل الموازنة فضلا عن نحو 99 الف يقومون باستكمال إجراءات التعيين فى هذه الفترة وذلك تنفيذا لقرار مجلس الوزراء الصادر فى فبراير 2012 والجارى تنفيذه وفقا لشروط محددة، ناهيك عن الزيادة السنوية فى المخصصات التى توجه لبعض هذه الصناديق بعد ان أصبحت ارصدتها اما صفر او سحب على المكشوف، ناهيك عن تزايد مديونية بعضها لدى بنك الاستثمار القومى كصناديق الإسكان الاقتصادى المدينة بملايين الجنيهات.
وهنا تشير تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات عن الحسابات الختامية والتى اخرها 2014/2015 الى عدة ظواهر سلبية شابت اعمال هذه الكيانات يأتى على رأسها إنشاء بعض الصناديق والحسابات دون استصدار قرار جمهورى بأنشائها، وعدم وجود لوائح مالية تنظم اعمالها، وعدم اعتماد وزارة المالية لبعضها، وبالتالى عدم وجود نظام محاسبى سليم وقواعد محددة للصرف والتحصيل ومن ثم غياب الرقابة الداخلية عليها. ومن أخطر الظواهر التى اشارت اليها هذه التقارير هى صرف الأموال فى غير الأغراض المخصصة لها ومن مظاهر ذلك شراء سيارات فارهة وتخصيصها لكبار المسئولين ولم يقتصر الامر عند هذا الحد بل قام أحد الصناديق بشراء سيارتين واهداهما الى الوزارة التابع لها الصندوق. جنبا الى جنب مع صرف مكافآت وحوافز ورواتب للعاملين والمستشارين دون وجه حق ووصل الامر الى تجاوز الحد الأقصى للأجور لدى بعض هذه الجهات. وهنا نلحظ ان نسبه المنفق على الأجور من اجمالى المصروفات فى صناديق المحليات قد ارتفع من 28% عام 2010/2011 الى 43% عام 2014/2015. وهبطت نسبة المنفق على شراء السلع والخدمات من 62% الى 44% خلال نفس الفترة كما أصبحت الأجور تستغرق نحو 49% فى الجهاز الإداري. الخ وعلى الرغم من صدور قانون الخزانة الموحدة وهو الخطوة المهمة والضرورية والتى مكنت وزارة المالية من رؤية ومتابعة هذه الاموال واوجه انفاقها فإنها لم تكن اكثر من مجرد تحويل الاموال من حسابات البنوك المختلفة الى حساب البنك المركزي، وبالتالى ظلت تعانى عدم تحقيق مبدا الشمولية والعمومية الذى تنص عليه المادة الثالثة من قانون الموازنة رقم 53 لسنة 1973 وتعديلاته، كما ان القانون المذكور قد سمح لوزير المالية استثناء بعض هذه الجهات او الشخصيات الاعتبارية العامة من الانضمام لحساب الخزانة الموحد وسمح لها بفتح حسابات باسمها او باسم الصندوق والحسابات الخاصة التابعة لها خارج البنك المركزي، وهو استثناء لامحل له من الاعراب فى هذه الحالة حيث يفتح الباب على مصراعيه لوزير المالية للتحكم فى هذه المسألة .
وعلى نفس المنوال فقد اعطى القانون المذكور لوزير المالية الحق فى الحصول على عائد من هذه الاموال لبعض الجهات دون غيرها، وفى هذا تفرقة لامعنى لها وتعطى لوزير المالية حقوقا كثيرة وقدرة على التحكم. ويصبح من الضرورى دراسة هذا الموضوع برمته بحيث تضع الآليات السليمة والمناسبة للتعامل مع هذه الصناديق والحسابات الخاصة بما يضمن لها تحقيق الاهداف المنوطة بها، كما يساعد على تحقيق متطلبات الشفافية لجميع بنود الموازنة ومصادر التمويل وكذلك تعميق المفاهيم المحاسبية للإدارة المالية السليمة، وضبط التدفقات النقدية فى الخزانة العامة بما يعزز من مفهوم وحدة الموازنة لإحكام ضبط الإنفاق العام فى المجتمع وهو ما سنتناوله فى المقال القادم بإذن الله.
(المصدر: الاهرام 2016-09-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews