مخاطر فى الاقتصاد الدولى
أحوال الاقتصاد العالمي مقلقة. إن مديونيات كبرى اقتصادات العالم، وأولها الولايات المتحدة، في ازدياد، بينما معدلات نمو تلك الاقتصادات في تقريباً، كل الحالات لا تستطيع أن تجاري الزيادة في الديون. و لكن على الرغم من ذلك، فإن فوائد ديون تلك الدول في تراجع، و قد وصلت فعلا إلى عدد من الدول، مثلا ألمانيا، إلى تحت الصفر. ذلك يعنى أن مُشتري الديون الألمانية يقبل أن يخسر جزءاً من رأسماله من أجل أن يُقرض الحكومة الألمانية بلا فوائد. نفس الشىء يحدث، منذ فترة، لمشتري الفرنك السويسري.
في الوقت نفسه فإن أغلب كبري الأسواق المالية والعقارية في العالم في دورة ارتفاع، أخذت الأسعار، في عدد من الحالات، إلى قمم غير مسبوقة. و الكثير من تلك الاستثمارات في هذه الأسواق قائم على ديون، و الخطير أن الكثير منها لأشخاص عاديين. يأتي ذلك الارتفاع في الأسعار بالرغم من انخفاض معدلات النمو لأغلب اقتصادات العالم، بما فيها دول شرق آسيا و أهمها الصين، وأيضاً تراجع القدرات الإنتاجية في العديد من الصناعات التي كانت قوى دفع للاقتصاد العالمي في العقدين الماضيين. في هذه الأجواء، فإن الكثير من رءوس الأموال على استعداد لشراء أصول (خاصة عقارية) بتقييمات سعرية مرتفعة جداً ظناً منها أنها شواطئ آمنة، في وقت تشعر بأنه هدوء ما قبل العاصفة.
كلمة «تشعر» هنا مهمة، وراء التقدم السياسي الواضح لأقصي اليمين، سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة، تكمن مخاوف عميقة لطبقات وسطى (هي الأكبر في مجتمعاتها) تشهد تراجعا لقدراتها الشرائية ومستويات معيشتها. وترى أنه بالرغم من الوسائل المتعددة التي استخدمتها الحكومات والبنوك المركزية الغربية، لعدد من السنوات الآن، لرفع معدلات النمو وتشجيع الاستثمار وخلق فرص عمل، فإن النتائج أبعد ما تكون عن أن تُوصف بالواعدة. ولدى كثيرين في هذه الطبقات ظن أن الوسائل قد استُنفدت ولم يعد هناك الكثير الذي يستطيع صانعو القرار فعله بالإضافة إلى ذلك فإن انتشار الإرهاب وازدياد معدلات الهجرة قد رسخا مخاوف، ظن الغرب أنه قد تجاوزها منذ عقود. كل ذلك يُشعر رءوس الأموال بأن هناك متغيرات سياسية سلبية سوف تأتي بها سلسلة الانتخابات التي ستشهدها الأشهر القادمة (رئاسية في الولايات المتحدة وفرنسا وبرلمانية في عدد من دول أوروبا).
رءوس الأموال تدرك أيضاً أن تلك التغيرات السياسية القادمة في الغرب ذات مواقف معادية ليس فقط لحرية حركة الأموال والأشخاص، لكن أيضا البضائع والخدمات. ويبدو واضحاً انه بعد عقدين من الدعم السياسي لحرية التجارة العالمية، فإن قطاعات واسعة من الناخبين الغربيين قد فقدوا قناعاتهم بفوائد تلك الحرية، وبالذات بفوائد إزالة الحدود أمام المصنعين والمتداولين.
المثير للاهتمام هنا أن ذلك النفور من حرية التجارة الدولية ليس مقصوراً على اليسار الأوروبي (وهو باستثناء العقدين الماضيين، كان دائماً شديد الشك في فوائد ودوافع تلك الحرية)، لكن ذلك النفور في ازدياد في أوساط اليمين الأوروبي وأيضاً في الولايات المتحدة، قلعة الرأسمالية الحرة.
إن جزءاً من الدعم الشعبي لمرشح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامپ يأتي من طبقات ترى أنها تخسر من حرية التجارة العالمية ومن ثم تريد حماية الدولة من التنافس الذي تفرضه تلك الحرية. إن جزءاً من ذلك التفكير صحيح. بالرغم من النظريات الاقتصادية (مثلاً فكرة المفكر الإيطالي ريكاردو المعروفة بالميزة النسبية)، فإن تجربة العقدين الماضيين أثبتت أن التنافس الاقتصادي الدولي يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية لبعض الطبقات، بالذات تلك التي لا تستطيع أن تُراكم بسرعة مهارات مطلوبة في سوق العمل. كما أنه مع تراجع النمو و زيادة الدين (للدولة وللمجتمع، كما هو الحال في العديد من الدول الغربية) فإن الخطر يصل إلى قدرة الدولة والمؤسسات الكبرى على تمويل مسئولياتها، مثلا.
(المصدر: الاقتصادية 2016-08-27)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews