أزمة المهاجرين تشقّ الإتحاد الأوروبي
شهدت أوروبا منذ مطلع الألفية الثالثة ثلاث موجات من الهجرة الاولى من وسط وشرق أوروبا بعد توسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً. أما الثانية فمن جنوب أوروبا عقب الازمة الاقتصادية الاخيرة. وأما الثالثة فمن الشرق الأوسط وافريقيا ومعظمها من مهاجرين مسلمين فرّوا من سوريا والعراق وافغانستان وغيرها. وإذا كانت الموجتان الأوليان ذات آثار إيجابية فالثالثة باتت تهدّد بانشقاق الاتحاد الأوروبي.تناول تقرير أعدّه ساكسو بنك من باريس عن التهديد الذي تشكله ازمة المهاجرين العرب والأفارقة على الاتحاد الاوروبي رغم انطوائها على بعض الايجابيات الاقتصادية على مستوى إمداد القارة العجوز باليد العاملة مع توقعات التناقض السكاني الخطير في العقود القليلة المقبلة.
وينتقد التقرير أسلوب التعامل مع المهاجرين من ناحية ومع مختلف الدول الاوروبية التي ترفض استقبال المهاجرين وتعتبره تهديداً خطيراً لاستمرارية الاتحاد الأوروبي نفسه وخصوصاً بعد خروج بريطانيا أخيراً من ناحية أخرى.
وكان الاتحاد فرض غرامات مالية على الدول التي ترفض استقبال المهاجرين. الأمر الذي يزيد من حدة الأزمة بين الدول الاعضاء ويشكل تفجيراً للرأي العام في بلدان شرق ووسط أوروبا إذ يبدو ذلك كغرامة بالنسبة لهم.
فرصة اقتصادية ولكن
من الناحية النظرية تمثّل ازمة المهاجرين فرصة بالنسبة لاوروبا. إذ يمثل المهاجرون حلّاً للتغيير الديموغرافي في اوروبا مع التناقض السكاني وتقلص إمداد اليد العاملة.
حيث إنّ النموذج الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية استند الى قوى عاملة كبيرة تدفع ضرائب مرتفعة لتمويل الخدمات المقدّمة للشباب وكبار السن، وهو يلاقي الآن تحدّياتٍ كبيرة مع انخفاض معدل الخصوبة الأوروبية تحت 2.1 مولود لكلّ امرأة.
وهناك ثلاثة حلول لمواجهة تراجع القوة العاملة.
الاول يتمثل في تقديم مساعدات وتحفيزات للمؤسسات، كما هو الحال في دول شمال اوروبا وفرنسا وهولندا إلّا أنّ ذلك يتوقف على قدرة الدول على التمويل وهو امر غير مؤكد نظراً لارتفاع حجم الانفاق العام أصلاً في معظم الدول الاوروبية.
الثاني يتمثل في رفع سن التقاعد من 60 الى 65 عاماً حالياً الى 67 عاماً. غير أنّ هذه العملية لن تكون فعالة بما فيه الكفاية وسوف تلاقي معارضة قوية من المواطنين والأحزاب السياسية والنقابات إذ قد تتصاحب مع خفض في معاشات التقاعد.
الثالث ويتمثل في تطبيق سياسة الباب المفتوح امام المهاجرين. إذ سوف يعوّض ذلك عن النقص في اليد العاملة من ناحية والى ارتفاع الطلب المحلي (الاستهلاكي) ما يدعم دورات من النموّ وزيادة معدلات خلق الوظائف. كما سوف يساعد في توسيع القاعدة الضريبية ما يحسّن في الوضع المالي للدول المستضيفة.
وقد ينطبق ذلك في المدى الطويل على بلدان وسط وشرق اوروبا وبعض البلدان الجنوبية مثل اليونان واسبانيا والبرتغال.
غير أنّ الوضع يختلف في كلٍّ من فرنسا وفنلندا وبريطانيا حيث لا تزال الديموغرافيا أحد العوامل الرئيسة للنموّ الاقتصادي القوي.
سوف تساعد الهجرة على حلّ مشكلة الشيخوخة في اوروبا شرط النجاح في دمج المهاجرين ثقافياً وإدخالهم الى سوق العمل. وهناك لا تبدو الأمور سهلة.
وعليه لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بإمكانية التوصل الى حلّ للأزمة في المدى المنظور. وتبدو اوروبا منقسمة على نفسها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى.
وعلى سبيل المثال يُتوقع عقد استفتاء في المجر في وقت لاحق من هذا العام حول الموافقة على الحصص الإلزامية التي فرضها الاتحاد الاوروبي لإعادة توطين اللاجئين. وهو الامر الذي قد يهزّ أسس الوحدة الأوروبية مرة اخرى إذا فاز معسكر «لا».
وفي اعتقاد العالم أن على أوروبا أن تتحرّك دائماً الى الامام في أوقات الازمات. ولكنّ الوضع الآن مختلف والقارة المذكورة لم تعد تعطي هذا الانطباع في ضوء الاصلاحات الخجولة خلال السنوات الاخيرة.
ويعزّز سوء إدارة ازمة المهاجرين والتباطؤ الاقتصادي من بروزٍ اقوى لليمين المتطرف وخصوصاً اذا فشلت الحكومات في إعادة قنوات التواصل مع مواطنيها.
(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2016-07-25)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews