باسم “أملاك الغائبين” الإسرائيلي.. كم كنتم أغبياء أيها الألمان!

كم كان الألمان أغبياء! لو أنهم سنوا قانون “أملاك الغائبين” بوقت أبكر لوفروا على أنفسهم تكاليف زائدة تبلغ مليارات اليوروهات لدفع التعويضات. كان بإمكان ألمانيا أن تقول لكل من اضطهدوها “للأسف، لكنك لم تكن موجوداً هنا في اليوم المحدد، يوم إقامة ألمانيا الجديدة. لهذا، ينص القانون عندنا على أنك “غائب”، وكل ما كنت تملكه ذات يوم أصبح لنا الآن. لذلك، عليك عدم إزعاجنا بطلباتك الوقحة، أليس كذلك؟”. ولكن الألمان الأغبياء لم يفكروا بهذه الخدعة، ولهذا فقد دفعوا ثمناً باهظاً.

دولة إسرائيل الفتية كانت أكثر ذكاء. فقبل أن تكمل السنتين سنّت قانون “أملاك غائبين” مدهشاً، يعفيها من الانشغال بمطالب تافهة لفلسطينيين إلحاحيين يصرون على المطالبة بأملاكهم المسلوبة.

جوهر القانون بسيط في مضمونه: الفلسطيني الذي –بالصدفة- لم يكن موجوداً في حدود إسرائيل في يوم 29 تشرين الثاني 1947، أو كان موجوداً ثم خرج منها حتى 1 أيلول 1948 (أي كل أشهر الحرب والنكبة) سيعتبر “غائباً” وعليه أن ينسى كل أملاكه. بكلمات أبسط: هل طردناك؟ قتلناك؟ هل هربت من الحرب؟ جميل، كل أملاكك أصبحت لنا. هكذا ينص القانون. ونحن كما هو معروف، نحافظ على القانون.

مبدأ “الغياب” المستهلك هذا يسري بالطبع على الفلسطينيين. اليهود معفيون منه. اليهودي لا يعتبر غائباً في يوم من الأيام حتى لو غاب ألفي سنة.

في الأسبوع الماضي، أعيد كشف هذه الفقرة الفريدة من نوعها للنفاق والحقد والعنصرية الإسرائيلية. ومرة أخرى، قررت محاكم أن فلسطينيين سيتم إخلاؤهم من بيوتهم في القدس، وستعطى لليهود (“هآرتس”، 26/11). كانت الأملاك ذات يوم بملكية يهود، لهذا ستعود إلى الملكية اليهودية. صحيح أن اليهود غابوا عن بيوتهم عشرات السنين، لكن اليهود، كما قلنا، لا يمكن أن يكونوا “غائبين”.

لعدد من العائلات المطرودة، ومعظمها من لاجئي 1948، ممتلكات في إسرائيل… بيوت في القدس وحيفا ويافا، ولكنهم لا يستطيعون المطالبة بممتلكاتهم لأنهم “غائبون”. يعيشون في القدس ولكنهم غائبون. الفلسطينيون، هذا ما تعلمناه، هم جيدون جداً حين يكونون غائبين.

هكذا، اليهود أيضاً يواصلون (وبحق) المطالبة في كل أرجاء العالم بما سلب منهم خلال مئات آلاف السنين، بالحروب، بالطرد، بالاضطهاد، بالمطاردة وبالقوانين الفظيعة: في بولندا وأوكرانيا وروسيا وهنغاريا والعراق وسوريا إلخ.

أما الفلسطيني فلا يمكنه حتى المطالبة بالبيت الذي طرد منه قبل سبعين سنة. البيت الذي على مرمى حجر من البيت الذي سيطرد منه بعد أسبوعين. عدل إسرائيلي (قائم -كما قلنا- على “نبوءة أنبياء إسرائيل” كما هو مكتوب في وثيقة الاستقلال).

كان يمكن الاكتفاء بالاقتباس من سفر الآباء: “من يقول ما هو لي فهو لي وما هو لك فهو لي أيضاً، فهو حاقد”. ولكن من الذي تهمه صفة الحاقد، اليوم؟ يعتبر هذا تقريباً مديحاً. ثمة مزيد من نبوءة النبي ميخا: “ويل للأشرار في مضاجعهم، اشتهوا الحقول في نومهم، وفي الصباح سلبوا وحملوا ما سلبوه إلى بيوتهم، وسرقوا الرجل وبيته، وسرقوا الرجل وضيعته. ابنوا صهيون بالدم، والقدس بالظلم. سيحكم على رؤسائها بالرشوة وسيعتمدون على الرب ويقولون: أليس الرب بيننا؟ إذاً لن يأتينا الشر؟ لهذا، من أجلكم، ستحرق حقول صهيون، وستكون القدس خربة، وسيكون جبل الهيكل مرتفعات وعرة”.

نبوءات النبي ميخا تحققت مرتين – ثلاث مرات، ويبدو أننا في الطريق إلى المرة الرابعة.

هآرتس