"عدوّ الإنسانية" يتفشى والعالم يستعد للأسوأ

من نافذة في الطابق الثامن لبناية تطل على حديقة “البلفدير” الشهيرة في قلب مدينة تونس، يبدو المشهد أقرب للقطات من فيلم خيال علمي، يثير الرهبة والحزن في آن واحد، بعد أن اتخذت الحكومة التونسية، التي تعاني من نقص في الإمكانيات، قرارا بتطبيق حجر صحي عام بدأ من صباح الأحد، وشمل الجميع باستثناء القطاعات التي تسيّر المرفق العام.

نفس المشهد يتكرر في مدن أخرى عبر العالم، من ووهان الصينية، التي انتشر منها فايروس كورونا، مرورا بروما وباريس ولندن ونيويورك، أكثر من مليار شخص في الحجر المنزلي، سواء كان ذلك بقرار ذاتي استجابة لصوت العقل، أو كان امتثالا لأمر من السلطات.

تنغلق أوروبا على نفسها لمكافحة الفايروس المستجدّ الذي سبب عددا من الوفيات أكبر من ذاك الذي سجل في آسيا وأفريقيا معا. وأصاب الفيروس الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بـ”عدوّ الإنسانية” حتى صباح الأحد، أكثر من 300 ألف شخص، ونتج عنه 13 ألف حالة وفاة في 182 بلدا وإقليما.

وتشهد إيطاليا، البلد الأكثر تأثرا بالفيروس، سيناريو كارثي يثير مخاوف جميع الدول الأخرى، حيث يبدو أن العدوى خرجت عن السيطرة في بعض المناطق، فيما استنفدت المستشفيات إمكاناتها.

“لازموا منازلكم” و”أغلقوا كل شيء”، هذا هو الشعار الذي يعمُّ ايطاليا والعالم لمنع التواصل والتجمعات التي تشجع انتقال فايروس كورونا، في وجه وباء عالمي ينتشر بسرعة وخلّف حصيلة مروعة.

ولقي النداء استجابة، فأعلن رئيس الوزراء الايطالي، جوسيبي كونتي، وقف “أي نشاط إنتاجي على الأراضي لا يكون ذي ضرورة قصوى”، قائلا إن هذه التدابير “صارمة، أعرف ذلك، لكن لا بديل لدينا. علينا أن نقاوم”. وباتت عبارة “ألازم منزلي” الأكثر رواجا لدى الإيطاليين الذين لجأوا إلى الشرفات والنوافذ للغناء وتحية الطواقم الطبية بالتصفيق، في ممارسة لقيت رواجا في مختلف أنحاء العالم.

وقررت بريطانيا التي وضعت 20 ألف جندي في حالة تأهب، في إطار الجهود لوقف انتشار الفايروس، إغلاق المدارس والمطاعم والحانات.

وقال عمدة لندن صادق خان “يجب ألا يسافر الناس بأي وسيلة”، ما لم يضطروا إلى ذلك، مشيرا إلى ضرورة أن يتجنب سكان لندن التفاعل الاجتماعي إلا عند الضرورة القصوى، وهذا يعني أنه يجب عليهم تجنب استخدام شبكة النقل ما لم يكن ذلك ضروريًا للغاية.

وتبدي الأرياف تمنّعا عن استقبال أهل المدن الأثرياء الذين قد يحملون العدوى معهم. ففي إنجلترا، طلب المكتب السياحي في منطقة كورنوول ذات عدد السكان المتدني خارج موسم الاصطياف من الزوار “تأجيل سفرهم”.

وعلى الرغم من استبعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض حجر عام حاليا في كامل البلاد، إلا أن أكثر من ثلث الأميركيين يحاولون التأقلم مع تدابير العزل التي تتفاوت بين منطقة وأخرى، وفرضت أكبر ثلاث مدن أميركية، نيويورك ولوس أنجلس وشيكاغو، عزلا منزليا على سكانها.

وفي مؤتمر صحافي في البيت الأبيض لعرض آخر مستجدات مكافحة الجائحة التي أوقعت 270 وفاة في الولايات المتحدة وأكثر من 23 ألف إصابة، وصف ترامب فايروس كورونا المستجد بأنه “عدو خفي”، وقال “لكنّنا سننتصر”.

وكشف ترامب عن خطة لتحفيز النشاط الاقتصادي حض الجمهوريين والديمقراطيين على الاتفاق عليها بقيمة ألف مليار دولار، واعدا الجميع بتدابير “لم يشهدها أحد من قبل”.

وتعتزم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، مساعدة شركاتها وموظفيها، من خلال خطة بقيمة 822 مليار يورو، ستلجأ من أجلها إلى الاقتراض لأول مرة منذ 2013.

وأنذر رئيس الوزراء الاسباني، بيدرو سانشيز، الذي أعلن عن حملة لتجهيز نظام اسبانيا الصحي، بأن “الأسوأ آتٍ”، متحدثا عن “سباق مع الوقت”.

وخوفا من تكرار أزمة عام 1929 التي كانت من أهم أسباب وصول النازيين إلى الحكم، تستعد ألمانيا لمخالفة الانضباط المالي على صعيد الموازنة، وثمة توجه إلى إقرار قانون يتيح تخطي سقوف المديونية لتتمكن برلين من استدانة 156 مليار يورو. وكان الاتحاد الأوروبي أعلن الجمعة تعليق قواعد الانضباط المالي، في إجراء غير مسبوق يسمح للدول الأعضاء بإنفاق الأموال اللازمة للحد من التباطؤ الاقتصادي.

وصادقت المفوضية الأوروبية على الخطة الفرنسية التي تؤمّن قروضا مصرفية للشركات المتضررة من فيروس كورونا المستجد وتصل قيمتها الإجمالية إلى 300 مليار يورو.

وأعلن البنك المركزي الأوروبي عن تخصيص 750 مليار يورو لإعادة شراء ديون عامة وخاصة.

الخطط الاستثنائية تكشف عن مخاوف استثنائية؛ الرعب ينتصر على المنطق، والعالم الاقتصادي يتوقف تدريجيا، لتعلن شركات كبرى عبر العالم عن تعليق أعمالها.

وقد يصل التمويل المطلوب لتحفيز الاقتصاد العالمي في مواجهة تداعيات انتشار الوباء إلى 30 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للعالم أي ما يعادل 26 تريليون دولار.

وتبقى النتيجة الأقرب احتمالا للجهود الرامية إلى احتواء الفايروس هي إصابة الاقتصاد العالمي بحالة شلل خلال الفترة من شهرين إلى ستة أشهر مقبلة، وهو ما سيؤدي إلى انهيار الطلب بالنسبة للكثير من الشركات والأعمال خلال هذه الفترة.

وحذرت منظمة العمل الدولية من أن عدم وجود رد منسق على المستوى الدولي يهدد ما قد يصل إلى 25 مليون وظيفة.

مرت ساعات أربع بطيئة على تطبيق الحجر الصحي العام في تونس، المشهد خارج النافذة باق على حاله، مجرد حركة نادرة لسيارات تعبر الجسر، بالتأكيد في أمر طارئ مصرح به، بينما يتساءل الناس الذين لزموا بيوتهم، كم ستطول الجائحة، وكم سيكون عدد ضحاياها، وهل سيكونون هم وأفراد عائلتهم من بين الناجين؟

العرب اللندنية