المتاجرة بالدين لأهداف سياسية

على الرغم من الحروب والصراعات التي تشهدها بعض الدول العربية ، وما تخلفه من ويلات عى شتى الصعد طالت البشر قبل الحجر والمدنيين قبل العسكريين ، إلا أن أخطر هذه الحروب وأشدها تأثيراً هي تلك الحروب " الفكرية " التي يشنها متطرفون من طراز خاص يعرفون بـ " رجال دين " ، وهم أبعد ما يكونوا عن الديانات السماوية ورُسل هذه الديانات الذين نادوا جميعهم بالمحبة والسلام .

هؤلاء " التجار " الذين يتخذون من دين الله وسيلة لتحقيق أهداف وغايات وأطماع سياسية ، يلعبون بالعقول ويتلاعبون بالدين ويستهدفون مختلف أنواع الكسب ، سواء أكان ماديا أم معنويا ، وهؤلاء هم الذئاب في ثياب الحملان .
لقد تكاثر هؤلاء في الفترة الأخيرة وأصبحوا يظهرون علينا ليل نهار بمختلف أنواع الظهور ، ليطغوا بظهورهم على الحضور السمح الجليل لرجال دين عقلاء وسطيين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة .

والأمثلة الأكثر وضوحاً في واقعنا الحالي : حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني الشيعي الذي يخرج علينا بين الفينة والأخرى بخطابات حول العدالة وتطبيق شريعة الله والمقاومة وحق الدفاع عن النفس والاستشهاد في سبيل الله، بينما هو عميل مخلص لوليه الفقيه ، ولليد الصفوية ذات الأطماع الاستعمارية التي لا تخفى على أحد .

وهناك على نفس المنوال وبنفس " الجُبة " عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين وذراعهم العسكري " أنصار الله " وهو ذراع اقتبس اسمه على" القافية " ليتناسق مع " حزب الله " ، حيث أطل عبد الملك مساء الجمعة الفائتة في خطاب ومفردات نسمعها من نصر الله وعنترياته التي لم نشاهدها على أرض الواقع منذ 2006 ، أللهم إلا في سوريا وأطفالها ونسائها .

ولتكتمل الصورة، وتتضح أكثر ، خرجت علينا " داعش " بوجهها الأسود المقيت لتبث الرعب في أوصال وقلوب المسلمين وغير المسلمين بدعوى أنها تنفذ شريعة الله ، فرأيناها تصدر فتاوى التكفير والتضليل والنحر والذبح والسحل ، وكل ذلك تحت صيحات ( الله أكبر) ، ولقد انطلت بضاعتها عى السذج والجهلاء ومحدودي الثقافة ومتعطلي الشوارع والمقاهي والحواري ، لتغدو هذه الثقافة رائجة في مجتمعات قهرها حكامها ، وأعملوا فيها خسفا ثقافيا وذهنيا ونفسيا فكان القبول وكانت الإستجابة ، دون أن يدرك من ابتلعوا الطعم من السذج هؤلاء أنهم غرر بهم باسم الدين ، وتحت راية لا إله إلا الله.

إننا نعيش أياما عصيبة ، ومرحلة حساسة وحاسمة : فإما أن تنتصر هذه الأصوات الظلامية وتقود المنطقة وشعوبها إلى مستقبل أسود ، أو أن شعوب هذه المنطقة سيكتشفون زيف هؤلاء وخبثهم وكذبهم ، فينقضون جميعا على كل إرهابي متخلف يريد لشعلة العقل فينا أن تنطفئ ، وجذوة الحياة أن تموت .

د. فطين البداد

fateen@jbcgroup.tv