الاستراتيجية الأميركية في العراق
تهتم أميركا بشكل رئيسي بالنفط وبإسرائيل، وفي عدوان إسرائيل على غزة وقفت معها بالكامل وكذلك فعلت الدول الأوروبية. في كل ما يخص المنطقة اتسعت الهوة بين السعودية وأميركا، ولكن مسألة الحفاظ على النفط السعودي والخليجي والعراقي غير قابلة للتفاوض. في العراق الذي احتل أميركيا عام 2003، ثم سُلم إلى إيران لتديره وتحافظ على استخراج النفط لصالح أميركا، وتعزز ذلك مع نوري المالكي بصورة رئيسية. ولكن أميركا زرعت للمالكي لغماً سيطيح به لاحقا، وهو تدمير الدولة والجيش، واستبعاد قطاع مجتمعي كبير من التمثيل السياسي، وزرع بذور الخلاف مع إقليم كردستان لاسيما في ما يخص كركوك.
المالكي، كما أسلافه، لم يفهموا الوضع على حقيقته، وربما يعود ذلك إلى تشجيع إيراني كبير رافض لإعادة تقسيم الكعكة العراقية في الداخل ومع الخارج. المالكي كان مثالاً في رداءة الحكم، ولكنه استثمر حكمه في الفساد والنهب. هذا الوضع راكم المشكلات الكبرى في كل العراق، بل إن سياسيين طائفيين ينافسون المالكي في طائفيته السياسية الشيعية، استفزهم وأقصاهم، ومع الثورة العراقية طالبوا برحيله.
هذا الشكل من الحكم هو نتاج الاستراتيجية الأميركية الماثلة في تفتيت العراق طائفياً وقوميا، وهو ما تم عبر شكل الحكم الطائفي وفقاً لنصوص الدستور الذي وضعه بريمر، والمحافظة على النفط دون تهديد، وصياغة حدود دقيقة لإيران بحيث لا تتجاوزها وقد فعلت، فكان لابد من العقاب.
أميركا هذه بعد حربها الكبرى ضد العراق، واندلاع أزمة اقتصادية كبرى بدءاً من عام 2008 وتصاعد التهديد الصيني، صارت الحروب بالنسبة إليها ليست إنقاذاً من أزماتها، بقدر ما هي مضاعفة لها. فتدخلت بشكل كاريكاتوري في ليبيا، وها هي تتدخل في العراق بشكل رمزي، ولن يتطور الأمر بشكل موسع حيث لا مصلحة لها في ذلك، فهي تريد بتدخلها حماية النفط في العراق، والمحافظة على قوات البشمركة كي تتدخل في مرحلة لاحقة ربما في الجنوب إن حدثت تطورات كبرى، وبالتالي فإن تدخلها لرسم سياسة جديدة للدولة العراقية، يقوم على تحجيم التدخل الإيراني، وتحويل الثورة العراقية إلى ثورة مكون سنيّ، وإعطائه دورا سياسيا حقيقيا، وحل مشكلة كركوك، وتوجيه ضربات محددة لداعش ومحاصرتها في بعض الأماكن وتركها كتهديد مستمر لكافة الأطراف لتدجينها وإخضاعها لسيطرتها.
نضيف هنا، أن المشكلات العراقية قبل 2003 يتحملها صدام حسين ونظامه، ولكن مشكلات العراق بدءاً من 2003 إلى الآن، فتتحملها أميركا وإيران. وإيقاف الثورة يتطلب عدة شروط ذكرناها أعلاه. ولكن هل تركن الثورة العراقية للسياسة الأميركية؟
راقبت أميركا المشهد العراقي، وأرسلت خبراءها لمساعدة المالكي ولكن ذلك لم يجد نفعا. راقبت تطور الثورة وقوة داعش، مع أميركا كما النظام السوري، لم يهتما بذلك في البداية، ولهذا تركت ولا تزال متروكة، والضربات الأميركية لم تُقر إلا حينما أصبحت داعش خارج الطور وهددت النفط مباشرة، فكان لابد من التدخل لتمرينها على تقبّل حدود غير قابلة للتفاوض. داعش في سوريا لا تهدد النفط بل تحميه وتبيعه للنظام، وها هي تتوسع وتفتك بالفرقة 17 واللواء 93 ولكن النظام لا يفعل شيئاً لها، وأميركا ترى كل ذلك ولا تهتم، فالنفط السوري لا يستحق وهو ليس تحت إدارتها، ولكن أمر العراق مختلف فكان لابد من إيقاف داعش.
لماذا فتحت داعش جبهة الأكراد؟ هي قامت بذلك لأن الثورة عنيفة وأصبحت تهدد بإسقاط العاصمة ولم يكف إعلان الخلافة لتشويه الثورة وإعاقة تطورها. إذن داعش تخدم المصالح الأميركية بدقة، وتعطيها المبرر العسكري للتدخل وإنهاء الثورة بحكومة موسعة “للتمثيل السياسي”. هذا ما قاله الأميركان للمالكي، لن نوسّع العمليات ولن نساهم في توقيف ثورة العراقيين ما لم ترضخ مع إيران لسياستنا الجديدة. إيران يجب أن توضع لها حدود واضحة في العراق، وإن يبقى لها دور في المنطقة، ولكن بما لا يتعارض مع المصالح الأميركية واستراتيجيها في المنطقة. إذن لا جديد في الاستراتيجية الأميركية، التي لا تزال تقلص وجودها في المنطقة، ولكنها تعيد رسم النظام العربي كنظام طائفي وتفتيتي للمجتمع بوضعه في حالة حرب أهلية مستمرة.
استراتيجية أميركا في العراق جزء من استراتيجيها في المنطقة ككل. هذا ما لم تفهمه النخب الليبرالية، وهو ما يكلف الشعوب الكثير من موت أبنائها ودمار حياتها. هذا الوضع لن يتوقف ما لم تتقدم هذه الشعوب في العراق وسوريا، وسواهما، سيما وأنها هي من تثور باستراتيجية مختلفة تعتبر مصالح الثورة والسوريين هي معيار أية علاقات إقليمية ودولية. إذن لابد من توقيف كل ما تقوم به المعارضة السورية، وإقامة علاقات ندية مع كافة حكومات العالم، وعلاقات تشاركية مع كافة شعوب العالم.
(المصدر: العرب 2014-08-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews