غزة .. ما حك جلدُك غير ظِفرك !
لم يكد يمضي وقت قليل على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار ، وهي المبادرة التي لم تعرض على المقاومين في غزة ، حتى تم إلقاء اللوم على دول إقليمية اتهمت بأنها وراء رفض المقاومة لوقف النار ، وكأن اصطياد الأطفال من على الشواطئ ، أو أثناء لهوهم بالكرة على أسطح منازلهم ، وإزهاق أرواح عوائل بأكملها أثناء السحور لا ينقصه سوى هذه التجاذبات .
إذا أرادت مصر " الرسمية " أن تلعب دورا مهما وتحظى باحترام الجميع ، فإن عليها أن لا تكون وسيطا في النزاع ، بل طرفا رئيسا فيه .
يحاول الإعلام المصري ، وأخص بالذكر قنوات تلفزيونية مؤيدة للنظام الجديد ، تسويق الأمر على أنه حرب بين منظمات إرهابية عدوة لمصر وبين إسرائيل ، وبالتالي فإن الإنطباع الذي يراد ترسيخه هو : أن إسرائيل تحارب أعداء مصر الإرهابيين ، ومن أجل ذلك فإن مصر متشددة بموقفها حيال معبر رفح ، وهي غير مستعدة للتدخل " الإيجابي " .
وكما زيفت قنوات غربية صورا لفلسطينيين قتلى وبيوت فلسطينية مهدمة بفعل الطائرات وقذائف المدفعية الأسرائيلية ، وبثت التقرير على أنها بيوت لإسرائيليين ، وصل الأمر بأن تقول إحدى مذيعات قناة مصرية معروفة محسوبة على النظام ، مخاطبة الشعب في غزة : " بتئولوا أفتح المعبر أو حنموت ، طيب واحنا مالنا ؟ " ..
هكذا وصل الأمر بإعلام أم الدنيا ، وهكذا أريد للأمور أن تنقلب في مصر ، ولكن هذا لن يحدث أبدا ، لأن المصريين - كشعب - أنقى من كل ما يعد لهم من ملوثات .
ولعل هؤلاء الإعلاميين نسوا بأن إسرائيل احتلت غزة من المصريين ، وإن مسؤولية مصر الأخلاقية والقانونية والأدبية تقتضي الدفاع عنها .
ولمن لم يقرأ التاريخ ، فقد وضعت غزة تحت الإنتداب البريطاني في العام 1920 ، بعد أن دخلها الإنجليز في العام 1917 ،أما بعد أن صدر قرار التقسيم في العام 1947 ، فقد دخل المصريون القطاع في العام الذي تلاه ، أي في 1948 ، وفي شباط من العام 1949 تم توقيع هدنة بين مصر وإسرائيل تحتفظ مصر بموجبها بالقطاع وهكذا كان ، حيث استقبلت مصر في القطاع آلاف الفلسطينيين المهجرين من بيوتهم بالقوة ، وظلت غزة تحت حكم مصر حتى العام 1967 ، عندما وقعت هي وسيناء تحت الإحتلال .
أي أخلاق هذه التي تجعل من غزة ، وشعب غزة غرباء يقال لهم : " واحنا مالنا " ؟؟ .
وأي عروبة وأي دين يبيح إغلاق المعبر الوحيد لبشر يموتون تحت القصف ويتعرضون للتجويع والذبح ؟ .
كيف يستقيم الأمر ، ويستوعب التفكير ما تعانيه غزة من مصر الرسمية في هذه الأيام ؟ .
وإذا كانت التجاذبات التي تحدثنا عنها بداية هذه المقالة ، تدور بين دول عربية وإقليمية كما يحلو للإعلام المصري أن يقول ، فما علاقة غزة بكل ذلك ، بل إن ساسة المقاومة الفلسطينية في القطاع أوضحوا بأن تقديمهم مطالبهم التي أعلن عنها السبت ، لا يعني أنهم ضمن محور من المحاور ، بل إنهم امتدحوا قدرة مصر على لعب دور مهم في تحقيق المطالب الفلسطينية المشروعة من فك الحصار وحرية الصيد والتجارة وإطلاق الأسرى ووقف الإعتقالات الإدارية والقدس وغيرها ، ولعل وصول أمين عام الأمم المتحدة إلى الدوحة الأحد ، ووصول وزير الخارجية الفرنسية إلى المنطقة السبت ، يعني أن هناك رؤية لهدنة معقولة ، قد تكون حاضرة خلال أيام ، إن لم يستجد جديد ، وتضع مصر العصي في دواليبها .
سواء وقف العدوان خلال أيام ، أم لم يقف ، فإن الذي سجلته وكشفته هذه المحنة الغزاوية أوسع مدى من كل الآفاق التي فتحتها هذه الحرب ، وأكثر وضوحا حتى من شمس النهار التي لا تغطى بغربال : فقد تبين للغزيين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من العرب، وتيقنوا بعد هذا الحصار الطويل الطويل : أنه ما حك جلدك غير ظفرك .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews