شهداء غزة يشيعون بدون إقامة بيوت عزاء لهم

جي بي سي نيوز - أزير الطائرات الإسرائيلية الغادرة يقترب من البيوت، صوته يخترق الأذان فيصمها، دقائق قليلة و يخترق الصاروخ أحد البيوت الغزية، ليست هذه هي المرة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة التي يخترق فيها صاروخ إسرائيلي بيتا فلسطينيا آمنا فيحيله إلى ركام.

و يحيل أفراده إلى جثث هامدة مقطعة ومتفحمة، من حسن حظ بعض أفراد العائلة المنكوبة أو من سوء حظهم أنهم لم يكونوا موجودين بالبيت لحظة القصف ، لقد نجوا من الموت، و لكنهم لم ينجوا من ألم الفراق و ما أصعبه، فأين سيقيمون مجلس العزاء الآن و قد هدم منزلهم عن أخره و تراكم الركام فوق الركام.

هل يقيمونه عند الجيران؟ أم عند الأقارب و الأصدقاء؟ أين سيرسلون دموعهم الحري؟أين سيفتحون الجراح و يبكونها؟ أين سيلقون على جثث أبنائهم الممزقة خطبة الوداع؟ أين و بيوت الجيران و الأصدقاء و الأحباب و كل بيوت غزة باتت مستهدفة من الطائرات الإسرائيلية، اليوم ليس ها هنا بيت آمن في غزة، كل البيوت هي مشروع عزاء، ومشروع أحزان ومشروع ألام لن تندمل حتى بعد أن تكف الطائرات الإسرائيلية عن التحليق في سماء غزة لاقتناص كل من يثبت انه يحمل فصيلة دم اسمها " غزة " .

فان لم يهدم البيت على رأس ساكنيه ونجا منهم احد ، يحرمونه من تلقى العزاء في أسرته بقصف بيت العزاء وتواجد الجماعة

هذه حالة خاصة عاشها ذوى الشهداء في القطاع منذ بداية الحرب على الأبرياء ، فلم يتمكنوا من افتتاح بيت عزاء لشهدائهم تجنبا للقصف المتكرر من الاحتلال الاسرائيلى الذي لا يميز بين مواطن عادى يجلس في بيت عزاء وأخر ينصب الصاروخ ليقذفه تجاه قيادته في الغرفة العسكرية المغلقة داخل أراضينا المحتلة.

ومع بداية الحرب استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مقاوما من عائلة أبو صواوين شرق دير البلح ، وفى اليوم التالي تم تشييعه وفتح بيت العزاء أمام منزل أسرته ، إلا أن ذلك لم يرق للاحتلال مواساة أهله وتخفيف ألامهم وجرحهم ، فقامت الطائرات من جديد بقصف بيت العزاء بعدة صواريخ تحذيرية منعتهم من الاستمرار في إقامة بيت عزاء لهم ، مما زاد من الم الأم الثكلى لعدم وجود من يواسيها في فلذة كبدها .

هذه الحالة عايشها أيضا المواطن إياد عريف أبو الأمير والذي يقطن في الشجاعية نهاية شارع النزاز ، والذي يعتبر على مقربة من الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة ، فقد استشهد نجليه أمير ومحمد عريف باستهداف غادر أمام منزلهم ليرتقوا شهداء ، ولم يتمكن والد الشهداء من فتح بيت عزاء نظرا لموقع منزلهم الحساس ، وتجنبا لقصف بيت العزاء في حال تم إقامته ، وتكرار تجربة عائلة أبو صواوين معه ، فقرر الجلوس في منزله بدون فتح بيت العزاء .

وقال والد الشهيدين " اضطررت لان امكث مع اسرتى نتذكر طوال الأيام التي مضت ذكريات ابنائى الاثنين الذين استشهدوا ونواسى بعضنا البعض ، ثم تعود والدته لتبكى حزنا على فراقهم ، لتسيل دموعنا جميعا حزنا عليهم ، دون وجود أصدقائنا وأقاربنا لمواساتنا في المنزل ، وإذا جاء شخص لمواساتنا يقرأ الشهادتين قبل الوصول للمنزل ثم يتشاهد من جديد بعد المغادرة "

وتقام بيوت العزاء لمواساة أهل الشهيد والتخفيف عنهم بوجود الأحبة والأصدقاء والأقارب ، إلا أن الحرب الشرسة جعلت دموع الأسرة تسقط بغزارة في كل لحظة على أبنائها الشهداء سوى بافتقادهم كل صباح أو على مائدة الإفطار أو السحور ، ويصر الاحتلال الاسرائيلى أن يعمم الحزن على الجميع .

أما الاعلامى عادل زعرب فقد استشهد أبناء عمه الثلاثة بصاروخ من طائرة استطلاع بعد انتهائهم من عملهم في مجل تجارى وغادروه للتوجه إلى منازلهم ، حيث قال " لم نفتح بيت عزاء رسميا للشهداء الثلاثة نظرا للتعاطف العام مع الفصائل في ظروف الحرب الواقعة على قطاع غزة ، ونظرا لتزايد أعداد الشهداء وتجنب لاستهداف بيوت العزاء من جديد ، وان هذه البيوت تشكل عبئ على المقاومة واقتصرنا بيت العزاء في ديوان العائلة برفح بشكل مصغر ، نظرا للظروف الحالية الصعبة في مدينة رفح "

من جانبه قال الأستاذ نهاد العرجا خال الشهيدة مريم العرجا " 10 سنوات أنهم لم يفتحوا بيت عزاء للشهيدة نظرا لاقتراب منزلها من المعبر والحدود الفاصلة مع إسرائيل ، وتجنبا لاستهداف بيت العزاء في هذه المنطقة الغير أمنة في هذه الأوقات ، مقتصرين على تعزية الأم والأب في منزل شقيقه وسط المدينة وعودته قبل حلول الظلام لمنزله وأولاده .

وقد استشهدت مريم بعد تناول الإفطار قبل عدة أيام حيث سقط صاروخ بجانب منزلهم ، لينفجر مخلفا أضرار وشظايا أسقطت أسقف المنزل الاسبست والحجارة على رأس الطفلة وأسرتها ، فاستشهدت على الفور بشظية في رأسها ، فيما أصيب شقيقها الأصغر بإصابة خطيرة ، وبدأ يتماثل للشفاء من جديد .

مأساة أخرى تضاف لسجل العار للاحتلال الاسرائيلى باستهداف بيوت العزاء ، دليلا على فشله السياسي والعسكري وتخبطه في بنك الأهداف الفارغ ، ليصب لجام غضبه على التجمعات الفلسطينية في بيوت العزاء .

وبعدما شاهد العديد من اسر الشهداء هذا الواقع الخاص ببيوت العزاء ، تجنب الأغلبية إقامة بيوت عزاء مكتفيا بجلسة عائلية في مكان امن لحين انتهاء الحرب (المصدر : أسامة الكحلوت - غزة )