“حل شرطة الآداب”.. عجز القوات الأمنية و”تسويق إصلاحات”: هل يقتنع الإيرانيون؟

إعلان النائب العام الإيراني، محمد جعفري منتظري، عن حل شرطة الآداب، يحتاج إلى مصادقة رسمية. منتظري نفسه أوضح بأن شرطة الآداب غير مرتبطة بوزارة العدل. من هنا، يجب في البداية استيضاح صلاحيته في إلغائها. مع ذلك، جرت في الأسابيع الأخيرة داخل البرلمان الإيراني بمشاركة فقهاء الشريعة، نقاشات حول أداء شرطة الآداب والحاجة إلى إجراء إصلاحات كهذه تقلل من المواجهات بينها وبين الجمهور، لا سيما تجاه النساء في موضوع الحجاب.
في شرح طويل ومفصل نشره السبت الماضي رئيس لجنة الثقافة في البرلمان أحمد رستينا، المسؤول عن سن “قوانين الأخلاق” في الدولة، اتهم الجهات المسؤولة عن “شرح موضوع الحجاب” في الدولة بالعجز وبالفشل. “علينا اتباع طريقة الإقناع مع النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب”، قال. “في القريب سنعدّ خطة شاملة لإقناع المواطنين الذين لا يعرفون أن هذا النوع من الاحتجاج مضلل. هناك أشخاص لا يريدون الاقتناع، لكن عندما يكون هذا قانون في النهج الإسلامي، فعليهم الامتثال”. في أقواله التي نشرت في الموقع الإيراني “خبر أون لاين”، أوضح بأن في إيران عشرات المؤسسات والمنظمات المسؤولة عن تنفيذ “قانون الحجاب”، من بينها المدارس والجامعات ومؤسسات عامة أخرى، التي فشلت في مهمة الدعاية. على خلفية ذلك، ستعدّ اللجنة التي يترأسها تقريراً مفصلاً عن سلوك هذه المؤسسات. في الوقت نفسه، تجنب منتظري القول كيفية تطبيق “قانون الحجاب” لاحقاً، “الذي هو الخط الفاصل بين الغرب والثقافة الإسلامية”. فهل سيتم نقل صلاحيات شرطة الآداب إلى جهات أخرى لإنفاذ القانون مثل الشرطة، ومتى، إذا حدث ذلك، ستدخل تعليمات حل شرطة الآداب إلى حيز التنفيذ.
المتظاهرون في إيران كتبوا أول أمس في الشبكات الاجتماعية بأنهم لا ينوون وقف الاحتجاج إلى حين الإعلان عن حل شرطة الآداب، لأنها خطوة لا معنى لها ما دام قانون ارتداء الحجاب ساري المفعول. “للنظام وسائل كافية لتطبيق هذا القانون المميز، الذي يمس بحرية النساء وحقوق الإنسان بشكل عام، حتى بدون شرطة الآداب”، كتبت متصفحة إيرانية في “تويتر”، وتابعت: “إعلان النائب العام قد يتبين أنه محاولة لتفريق قوتنا وتفكيك الاحتجاج”.
أعلنت حركات الاحتجاج عن إجراء مظاهرات كبيرة في الأيام الثلاثة القادمة. وإذا كانت هناك حاجة لاستمرارها فستستمر. مع ذلك، بقدر ما يمكن تعلمه من البيانات في الشبكات الاجتماعية التي تخضع للرقابة الدقيقة، فهي تتحدث عن مبادئ وقيم عامة مثل الحرية واحترام النساء وحقوق الإنسان، ولكنها لم تبلور أي طلبات معينة يمكن استخدامها كبرنامج للمفاوضات مع السلطات. “كثيرون يتحدثون عن ثورة وعن إسقاط النظام”، كتب متصفح، “لكن كثيرين آخرين غير معنيين بذلك. هم يريدون الحفاظ على النهج باستثناء أن يكون منطقياً وإنسانياً أكثر ويهتم بالآخرين”. هنا أيضاً تكمن الفجوة بين المعارضين والمتظاهرين الذي هم على استعداد للاكتفاء بالإصلاحات، وبين من يريدون إحداث تغيير في النظام. ولكن حتى الذين يكتفون بالإصلاحات لا ينجحون في بلورة تفاهمات حول الإصلاحات التي تلبي طلباتهم.
بدون أجندة واقعية
ثمة مشكلة أخرى، وهي أن المتظاهرين يفتقدون لأي قيادة تعمل على تنسيق نشاطاتهم وتمثيلهم أمام السلطات. صحيح أنه يصعب تنظيم قيادة في الوقت الذي يتحول فيه كل من يظهر على الأرض فوراً إلى فريسة للسلطات ويتم إدخاله إلى السجن أو يتم قتله. هذه هي المرحلة العفوية والصاخبة التي ينضم فيها المزيد من المتظاهرين لأسباب مختلفة؛ فالأزمة الاقتصادية والفقر وغلاء المعيشة والبطالة تندمج مع طلبات الإصلاح في حقوق الإنسان وإلغاء فرض الحجاب. وهذه صعوبة أخرى في الطريق إلى بناء أجندة واقعية لا تستند إلى الشعارات.
النظام في هذه المرحلة يستطيع تحييد مركب من المركبات التي تعتبر قاسماً مشتركاً قوياً لتجنيد المتظاهرين وتغذية الاحتجاج، وهو تطبيق فرض الحجاب. يبدو هذا هو التوجه الذي يميل إليه النظام في إعلانه عن حل شرطة الآداب. هذا القرار لا يلزم النظام بإجراء مفاوضات مع المتظاهرين، ويبقي السيطرة على الأزمة في يده على الأقل ظاهرياً. على هذه الخلفية، توضح أقوال رئيس لجنة الثقافة في البرلمان معاملته المتسامحة مع المتظاهرين، الذين ربما “لا يعرفون جوهر الحجاب”. وقد قصد العمل “بطرق لطيفة” مثل الإقناع واتهام بعض مؤسسات الدولة.
رستينا، الذي عكست أقواله الأجواء السائدة في أوساط تيارات المحافظين في البرلمان، اعترف بعمق أزمة الثقة بين النظام والمواطنين. خطته لإعداد “إصلاحات شاملة” إذا ما تم تطبيقها، تعني أن يفرض على حكومة إبراهيم رئيسي، وليس على النهج أو القيادة العليا برئاسة علي خامنئي، المسؤولية عن تقديم حلول تبعد التهديد عن استقرار النظام. “خطاب الإصلاحات” الذي يحاول النظام تسويقه يدل على فشل قوات الأمن في قمع المظاهرات حتى بعد موت أكثر 300 شخص وإصابة الآلاف والمعتقلين. الاعتراف بذلك لا يعتبر سبباً لخيبة الأمل والإحباط لنظام عرف طوال عشرات السنين كيف يقمع المعارضة ويفرق المظاهرات ويشتري فترات هدوء لنفسه. الخوف الكبير هو من تحطم ثقة جهات السيطرة بقدرتها على الحفاظ على حجم الامتثال المدني، ومن هنا، فإن المسافة قصيرة إلى تحطم هرمية السلطة العليا.

بقلم: تسفي برئيل - هآرتس