المجتمع الإسرائيلي في مرآة نتائج الانتخابات ووصول اليمين المتطرف إلى الحكم

انتهت انتخابات 2022 بحسم واضح لصالح كتلة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو. عقب ذلك، يتوقع أن تخرج إسرائيل من الأزمة السياسية التي حدثت في السنوات الثلاث والنصف الأخيرة، التي تم فيها إجراء خمس جولات انتخابية. إن فحص بيانات التصويت في هذه الانتخابات، حسب القطاعات وبتوقعات بعيدة المدى، تظهر صورة شاملة وديناميكية تعكس التغيرات التي حدثت في المجتمع الإسرائيلي:
– نسبة التصويت. في انتخابات 2022 ارتفعت نسبة التصويت مقارنة مع انتخابات 2021، من 67.4 في المئة إلى 70.6 في المئة. ولكن مقارنة مع الانتخابات في الأعوام 1973 – 1999، التي كان فيها متوسط نسبة التصويت 78.8 في المئة، يدور الحديث حتى الآن عن نسبة تصويت غير مرتفعة بشكل خاص.
– في انتخابات 2022 جاء مصوتو اليمين إلى صناديق الاقتراع بنسبة أعلى مما كان في انتخابات 2021، الأمر الذي أدى إلى تعزز الكتلة التي يرأسها نتنياهو. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في ارتفاع نسبة التصويت في المدن التي تؤيد اليمين بشكل تقليدي مثل عسقلان (2 في المئة)، بئر السبع (4.6 في المئة)، ديمونا (6.9 في المئة). في المقابل حافظ مصوتو الوسط – يسار على نسبة تصويت مشابهة للنسبة التي سجلت في انتخابات 2021 (تل أبيب، 0.4 في المئة، جفعتايم 0.3 في المئة، وهرتسليا 0.3 في المئة). وثبت مرة أخرى، وبصورة أشد، أن اليمين بكل مركباته المختلفة يشكل الأغلبية في دولة إسرائيل. هذا مع الأخذ في الحسبان حقيقة أن انتقال حزب “إسرائيل بيتنا” في 2019 إلى الكتلة المضادة خلقت صورة مضللة للتعادل بين اليمين والوسط – يسار. يبدو أنه في الانتخابات الأخيرة، حتى لو كان كل من “ميرتس” و”بلد” اجتازا نسبة الحسم، فإن كتلة اليمين كانت ستحصل على أغلبية ولو بالحد الأدنى.
– في الوسط العربي، الذي وصل في انتخابات 2021 إلى نسبة تصويت حضيض تاريخي تبلغ 44.6 في المئة، والذي توقع كثيرون له هبوطاً كبياًر آخر، ارتفعت نسبة التصويت هذه المرة إلى 53.2 في المئة. الحديث حتى الآن يدور عن نسبة تصويت أقل مما في انتخابات 2020، 64.8 في المئة، وهي الأعلى منذ 1999. هكذا فإن القوة النسبية للأحزاب العربية ارتفعت في الانتخابات الأخيرة مقارنة مع الانتخابات السابقة 10.3 في المئة مقابل 8.6 في المئة. ولكن القوة النسبية معاً لم ترتفع، بالأساس بسبب الانقسام فيما بينها الذي ترك “بلد” تحت نسبة الحسم.
– أصبح من الواضح للجمهور العربي التوجه المستمر لترك الأحزاب الصهيونية. في انتخابات 1992 صوت معظم العرب للأحزاب الصهيونية (52.3 في المئة مقابل 47.7 في المئة)، حيث حصل حزب العمل على 20.6 في المئة من أصوات العرب. بعد ثلاثين سنة، صوت 14.2 في المئة من العرب لصالح الأحزاب الصهيونية (المعسكر الرسمي كان الرابح الأكبر، 3.2 في المئة). هذه الظاهرة بدأت بعد الانتفاضة الثانية، ويمكن أن تشير أيضاً إلى تعزز الهوية الفلسطينية في أوساط المجتمع العربي.
– سُجل تعزز للأحزاب الدينية مقارنة مع انتخابات 2021، من 12.8 في المئة إلى 14.2 في المئة. ورغم أن “شاس” و”يهدوت هتوراة” زادت قوتهما في الكنيست مقارنة مع الانتخابات السابقة، من 16 إلى 18 مقعداً، فإن قوتهما النسبية بقيت ثابتة بالنظر إلى العقدين الأخيرين. في حين أنه في انتخابات 1992 كانت القوة النسبية لـ”شاس” و”يهدوت هتوراة” 8.2 في المئة (في حينه كانت نسبة التصويت في أوساط مجمل السكان أعلى)، وإنها بلغت في الانتخابات الأخيرة 14.2 في المئة. هذه الزيادة ترتبط بالنمو الديمغرافي في المجتمع الحريدي، وبالأساس بسبب نمو حزب “يهدوت هتوراة”، الذي ارتفع من 3.3 في المئة في انتخابات 1992 إلى 5.9 في المئة في انتخابات 2022. رغم ذلك، بقيت قوة الأحزاب الحريدية ثابتة منذ 2003، 16 – 18 مقعداً في الكنيست.
– التغيير البارز والأهم هو النجاح الواضح لـحزب “الصهيونية الدينية – قوة يهودية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، الذي حصل على 14 مقعداً، وهو ارتفاع 8 مقاعد مقارنة مع الانتخابات السابقة. والتصويت في البلدات ذات العلاقة يوضح ذلك. فمعظم مؤيدي الصهيونية الدينية/ قوة يهودية صوتوا في انتخابات 2021 لحزب “يمينا” برئاسة نفتالي بينيت واييلت شكيد، كما ظهر بشكل واضح في مدن حصلت فيها الصهيونية الدينية/ قوة يهودية على نجاح بارز (بئر السبع 15.7 في المئة، القدس 14.2 في المئة، وعسقلان 13.3 في المئة). هكذا أيضاً في المدن المؤيدة لأحزاب كتلة الوسط – يسار. بصورة شاملة، فإن يمينا/ البيت اليهودي ضعفت 5 في المئة مقارنة مع 2021 مقابل الصهيونية الدينية/ قوة يهودية التي ضاعفت قوتها بأكثر من الضعف، من 5.1 في المئة إلى 10.8 في المئة، أي أن أساس تعزز قوة الصهيونية الدينية/ قوة يهودية نبع من اختفاء حزب “يمينا”. ذاك الجزء من مصوتي اليمين الذين بحثوا عن حزب على يمين الليكود وجدوا حزباً واحداً فقط في هذه المرة. يجب أن نذكر بأن هذا حدث أيضاً في السابق عندما حصل “إسرائيل بيتنا” برئاسة افيغدور ليبرمان (الذي شعاره الانتخابي في حينه كان “فقط ليبرمان يفهم العربية”) على 15 مقعداً في 2009.
– وفقاً لتقسيمها إلى ثلاث كتل (يمين، وسط – يسار، عرب) فإن كتلة يمين – حريديين برئاسة نتنياهو ارتفعت من 48.3 في المئة في 2021 إلى 49.6 في المئة في 2022. كتلة الوسط – يسار، بكل مكوناتها اليمينية، انخفضت من 41.5 في المئة إلى 38.3 في المئة. والكتلة العربية ارتفعت من 8.6 في المئة إلى 10.8 في المئة.
المعاني الأساسية

إن تشكيل حكومة على قاعدة ائتلاف يشمل 64 عضو كنيست يخلق أساساً راسخاً جداً لبقائها. لذلك، يخلق أساساً لاستقرار الحكومة. وهذا مهم من أجل تخطيط بعيد المدى وإدارة حكيمة لقضايا حاسمة في مجال الأمن القومي في إسرائيل. والاستقرار الحكومي سيمنع وضعاً تدار فيه الدولة بدون ميزانية، ويساعد متخذي القرارات في القيام بخطوات مثل توسيع اتفاقات إبراهيم، وربما أيضاً خطوات ستساهم في فصل سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذه مواضيع فيها اتفاق واسع بخصوصها في أوساط الجمهور الإسرائيلي، وإن وجدت هناك قرارات محتملة في القضية الفلسطينية قد تثير الخلافات داخل الائتلاف الذي يلوح في الأفق.
إن كون حزب الصهيونية الدينية/ قوة يهودية، الموجود في أقصى يمين الطيف السياسي، والذي يعتبره كثيرون في إسرائيل والعالم بأنه حزب يميني متطرف، هو مكون رئيسي في الحكومة الجديدة، قد يشكل تحدياً رئيسياً لاستقرار الائتلاف في مجالات مهمة. التحدي الأول هو الخوف من حدوث سوء في العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل، وأيضاً التداعيات المحتملة لتعامل متسامح مع المستوطنين في “يهودا والسامرة” مع تشديد التعامل مع الفلسطينيين. سيقف في بؤرة الموضوع تعامل إسرائيل مع الأماكن المقدسة في القدس. وهذا قد يسرع الصدامات في “يهودا والسامرة” وداخل القدس، ويؤدي إلى التطرف والعنف في الشارع العربي داخل إسرائيل، إلى درجة التصادم بقوة كبيرة في المدن المختلطة وخارجها. التحدي الثاني، الذي سينعكس أيضاً على الأمن القومي في إسرائيل، يرتبط بتعامل الإدارة الأمريكية مع المعاني العملية لكون الصهيونية الدينية/ قوة يهودية مكوناً سياسياً مهماً في الائتلاف. يدور الحديث عن مجال قد يثقل على العلاقات الخاصة مع الإدارة الأمريكية ومع الجالية اليهودية في أمريكا.
بالإجمال، تشير الصورة المعقدة إلى توتر متوقع بين استمرار أساسي في سياسة إسرائيل في القضايا الأساسية في المجالات الخارجية، وبين تغيرات محتملة متوقعة في المجالات الداخلية. هذا بالأساس في المسائل المرتبطة بالمقاربة أمام المجتمع العربي والقضايا المرتبطة بالخلافات بخصوص الأهمية العملية لإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. هنا ستحسم درجة التأثير في المستقبل للصهيونية الدينية/ قوة يهودية، سواء على المناخ العام، المشحون أصلاً في الفترة الأخيرة، أو على سلوك وقرارات في قضايا حساسة. كل ذلك له تداعيات فورية على الأمن القومي وعلى مكانة إسرائيل الدولية.
بقلم: أوري فيرتمان ومئير الران - نظرة عليا