“الخيار الأردني”.. جنون ترامب أم آخر الحلول؟
كان الرد في المجال السياسي متوقعاً: انفجار للسخافة. ها هو دليل آخر، كما قررت كتائب الخبراء، على جنون وانقطاع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الواقع والتاريخ. فكيف يمكنه أن يتفوه باقتراح كهذا بل وفي حديث شخصي مع الملك الأردني؟ ليس سوي العقل.
والمقصود هو الكشف الصحفي الذي جاء فيه أن الرئيس اقترح على الملك في لقاء ترامب – عبد الله بالأردن في 2018 أن يعيد التفكير في إمكانية إعادة مناطق الضفة الغربية إلى الأردن؛ فقد احتلت منه في 1967. ذهل الملك من الاقتراح لدرجة أن قلبه كاد يتوقف. كاد.
وصل ترامب إلى الخيار الأردني، أو للدقة الخيار الأردني – الفلسطيني، كحل ممكن للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني النازف، برؤيته عمق الخلاف بين الشعبين. خيار أردني، تبناه مسؤولو حزب العمل وعلى رأسهم شمعون بيرس الراحل بعد حرب الأيام الستة، يقول باختصار: المناطق في الضفة الغربية احتلت من الأردن بالحرب وتعاد إلى الأردن بالسلام. هذا هو المعنى، كما اعتقد في حينه مؤيدو خيار قرار الامم المتحدة 242 عن الأرض مقابل السلام.
في 1972 أعد في الأردن خطة ثورية لإقامة فيدرالية أردنية فلسطينية وبموجبها تسمى مناطق الضفة الغربية “إقليم فلسطين” وتحصل على حقوق حكم ذاتي موسع. لتحقيق الخيار، التقى وزير الخارجية بيرس مع الملك الأردني في لندن في 1987 وتوصل معه إلى اتفاق سلام كامل، هكذا على حد قوله، والذي أفشله رئيس حكومة الوحدة في حينه إسحق شامير. بعد انهيار التفاهمات بين بيرس والحسين، اندلعت في “المناطق” الانتفاضة الأولى التي الحسين في ذروتها أعلن عن فك ارتباط كامل بين الأردن والفلسطينيين في الضفة الغربية. وأقرت الجامعة العربية فك الارتباط، وتحذر في الرأي العام العالمي وتجعل إسرائيل، رغم أنفها، تقبل السيادة السياسية الفلسطينية. دور ما كان لإسرائيل أن تؤديه.
مقالي السابق في الموضوع تحت عنوان “عودة الخيار الأردني” نشرته في هذا المكان في نيسان 2016، قبل نصف سنة من انتخابات الرئاسة الأمريكية التي انتصر فيها ترامب. لقد كان ترامب رئيساً شاذاً وخطيراً على الديمقراطية. غرور جنوني عنيف ومنتفخ بالأهمية الذاتية، الذي فاجأ في مواضيع شرق أوسطية بالأصالة والإبداعية. نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وعرض خطة أمريكية كاملة مع خرائط مفصلة لتسوية سلمية إسرائيلية فلسطينية – عربية، ونجح في دفع دول عربية وإسلامية محترمة للتوقيع على اتفاقات إبراهيم. وحتى معارضوه الألداء، مثل كاتب هذه السطور، يعترفون بالاختراق التاريخي الذي أحدثته الاتفاقات في انخراط إسرائيل في المنطقة.
اليوم، ينبغي النظر إلى الواقع. وصلت العلاقات بيننا وبين الفلسطينيين إلى طريق مسدود. ووحده من يدس رأسه في الرمال – ومثل هؤلاء لا ينقصون في الدبلوماسية وفي الخطاب الجماهيري – يستطيع تصديق ما يسمى حل الدولتين للشعبين. يكتب يوحنان صوريف في استعراض معمق، وهو باحث كبير في معهد بحوث الأمن القومي: “تواجه الوطنية الفلسطينية الأزمة الأصعب في تاريخها، التي يعد فقدان الطريق والفشل من تعابيرها الأساسية”. وإن تحسن الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، فتنقصهم في الوقت نفسه زعامة شرعية ومصداقة، “شطبت مشكلتهم عن جدول الأعمال الدولي والإقليمي”، والتطلع إلى دولة مستقلة صغيرة ومنشقة ضعف ودحر إلى الزاوية.
وقعت في إسرائيل مسيرة موازية؛ أصبحت اتفاقات أوسلو شتيمة، والمواقف السياسية التي اعتبرت يميناً متطرفاً في عهد بيغن وشارون أصبحت اليوم وسطاً معتدلاً، والسلطة الفلسطينية في مناطق “يهودا والسامرة” أصبحت موضع هزء. نظام احتلالنا – وهو لنا جميعاً، كفى للتجمل – لا يخدم اليوم هدفاً سياسياً بل يحبط أعمال الإرهاب.
في هذه العقدة، يمكن للخيار الأردني – الفلسطيني أن يأتي بهبوب ريح جديدة من التفكير الإبداعي من خارج الأقوال الممجوجة. فمصاعب تحقيقه، بل وحتى تعريفه العملي، هائلة. وهو في الظروف السياسية والأمنية القائمة يحاذي الطوباوية، ولكن الطوباوية مجدية: بدون تجدد سياسي يخترق العادة سنبقى عالقين هنا أجيالا في اللعبة الدموية الفلسطينية الإسرائيلية، في دولة ثنائية القومية التي تتثبت بسرعة كأهون الشرور العملي الوحيد.
بقلم: سيفر بلوتسكر - يديعوت أحرونوت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews