“مصالحة ومقال ساعة”: الدكتور ندى.. من نبأ صغير إلى أسلوب نظام في مصر
نبأ صغير نشر في الموقع المصري “صوت الأمة” في بداية أيلول الحالي، أثار عاصفة في الإعلام المصري. فقد جرى التحدث عن لقاء في جامعة القاهرة بين رئيس الجامعة محمد عثمان الخشت، والصحافي ورئيس المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة كرم جبر والدكتور أيمن منصور ندى، الذي كان المسؤول عن قسم الراديو والتلفزيون في قسم الإعلام في الجامعة. تم في هذا اللقاء “تنقية الأجواء بين الدكتور ندى والجامعة، وتقرر فتح صفحة جديدة”. يبدو أنها قصة هامشية، لكن هناك قضية متشعبة تختفي من ورائها، كشفت طرق عمل الشرطة ضد الذين يتجرأون على توجيه الانتقاد لها ولأجهزتها، وعرض إخفاقاتها وفشلها واقتراح طرق لتقويمها.
بدأت القضية في آذار 2021 عندما نشر الدكتور ندى في “الفيسبوك” مقالات انتقاد لاذع ضد الصحف والمراسلين في مصر. “لا تمتلك أجهزة الإعلام التي لدينا قوة أو حيوية، هي بهيمة للركوب، كل من لديه أموال أو يمسك بالسلطة أو يحز كليهما، يمكنه الركوب عليها… وسائل الإعلام لدينا لا تمثلنا ولا تعكس هويتنا الثقافية ولا تلبي احتياجاتنا الاجتماعية، وهي غير قادرة على التعبير عن أحلامنا وطموحاتنا”. ندى لم يوفر سهامه السامة من صحافيين ومحررين معينين ومن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام جبر وآخرين. بعد ذلك، استُدعي إلى رئيس الجامعة التي حاضر فيها إلى محادثة توبيخ. في المقابل، قدمت ضده دعاوى من جبر ومن مراسلين كثيرين بسبب ما اعتبر إساءة لسمعتهم ولمهنة الصحافة وللسلطات المسؤولة عن وسائل الإعلام.
بعد سنة، أدانته المحكمة وحكمت عليه سنة سجناً مشروطاً ودفع غرامة غير مشروطة تبلغ 20 ألف جنيه مصري. وكتب في قرار الحكم بأنه “نشر أقوالاً كاذبة عندما قال بأن وسائل الإعلام في مصر عديمة الاحترام، وهي تختلق قصصاً وتكمم أفواه من يعارضون النظام. نشر معلومات كاذبة كهذه يضر بالمصالح العامة وبالنظام العام”. لم يرد أن القضاة قد مسكوا أنفسهم عن الضحك عندما كتبوا قرار الحكم.
المتهم الرئيسي في وضع وسائل الإعلام ينسبه ندى إلى أحمد شعبان، مساعد رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، الذي يتولى “ملف الإعلام”، وهو مسؤول، ضمن أمور أخرى، عن “تطوير الرأي العام”. شعبان هو الذي يجري اتصالات مع محرري الصحف ويملي عليهم الخطوط السياسية العامة، ويحذر ويهدد في حالة الانحراف، وحتى إنه يقيل محررين رئيسيين حسب الحاجة. والمخابرات هي صاحبة عدد من وسائل الإعلام المهمة، منها “تلفزيون الحياة” والـ “سي.بي.سي” و”النهار” ومجموعة وسائل الإعلام “أون” وصحيفة “اليوم السابع” وصحيفة “صوت الأمة”. الانتقاد الموجه للمحررين يعتبر انتقاداً للمخابرات.
لم يكن باستطاعة الدكتور ندى مواصلة التعليم في الجامعة أو العمل في الصحافة بعد هذا الحكم. ولكنه واصل ملء صفحته في الفيسبوك بسلسلة جديدة من المقالات، بدأت تنتشر في آذار الماضي. في المقالين الأولين، ظهر أن المحاضر في الإعلام قد تعلم الدرس وعرف ما يعرفه أي صحافي في مصر. تناولت المقالات مشاريع وإنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي في تطوير مصر والدفاع عن أمنها. ولكنه وعد في حينه بـ “وجود وجهين لقطعة النقد”، وأنه ينوي أيضاً تناول فشل الرئيس وإخفاقاته.
في أيار نشر مقالاً طويلاً بعنوان “لقد وعدنا بأرض تفيض باللبن والعسل”. وقد أورد فيه بالتفصيل عشرين إخفاقاً للرئيس في السنوات الثماني لحكمه، وتناول من بينها إخفاق “سد النهضة” الذي تقيمه إثيوبيا على نهر النيل ولم تنجح مصر في كبحه ومنعه. وأشار إلى نقل جزر صنافير وتيران للسعودية، والديون الضخمة لمصر وعجز النظام عن ترميم اقتصاد الدولة، والمكانة المتدنية لوسائل الإعلام وقمع حقوق الإنسان، وشكاوى وتذمر يطرح فحصها ومناقشتها في إطار الحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس.
مطلوب أن تكون لدى المرء شجاعة خاصة أو غباء كبير لنشر مثل هذا المقال، ولكن ندى ليس غبياً. فخلال ساعة بعد نشر المقال، تم استدعاؤه للتحقيق وأزيل المقال من صفحته في فيسبوك. رفض ندى بيان سبب إزالته المقال، نافياً استخدام الضغط عليه. الأرواح الطيبة التي لامت خضوعه للنظام بعد انتقاده له، رد عليها قائلاً: “أنا منذ 15 شهراً عاطل عن العمل، ولا أُدعى لنقاشات أو إلى تلفزيون. أين كنتم عندما أضروا بي وقدموني للمحاكمة؟”.
يبدو أن مصر، لحسن حظه، تواجه الآن ضغوطاً من أمريكا وتطلب منها العمل على تعزيز الديمقراطية والكف عن قمع حقوق الإنسان وحرية التعبير. جمدت الإدارة الأمريكية نحو 130 مليون دولار من أموال المساعدة لمصر. والآن، عندما تريد مصر طلب قرض كبير من صندوق النقد الدولي فسيطلب منها إثبات حدوث تحسن على وضع حقوق الإنسان للحصول على دعم الولايات المتحدة لإعطائها القرض. وبدلاً من تقديم الدكتور ندى للمحاكمة، فقد تقرر عقد “لقاء المصالحة” مع الجامعة و”فتح صفحة جديدة”. ندى الآن ينتظر كي يرى هل سيحصل على وظيفته مرة أخرى.
بقلم: تسفي برئيل - هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews