من اليسار إلى اليمين ومن معارضة البريكسيت إلى تبنيه.. ليز تراس في الطريق إلى داونينغ ستريت

كيف صعدت ليز تراس لكي تصل إلى عرش المحافظين؟ يقول توبي هيلم ومايكل سفيج في تقرير بصحيفة “أوبزيرفر” إن تراس عندما أعلنت قبل سبعة أسابيع أنها مستعدة لكي تكون رئيسة للوزراء من اليوم الأول، لم يكن أحد يتوقع أنها ستصل إلى ما وصلت إليه.

فكانت حملتها “ليز للزعامة” تشبه حملة هاوٍ ولم تظهر أمام الكاميرات عندما قدمها وزير التجارة كواسي كوارتينغ وبدون أن تشرح سبب غيابها. وعندما ظهرت تلعثمت بالكلام وذكرت “حرب بوتين على رو… أوكرانيا”، وبعد ذلك لم تجد طريقها إلى باب القاعة ومشت نحو النافذة.

وكانت أخطاء تراس على خلاف الدعم الأولي لوزيرة الدفاع السابقة بيني موردانت التي توقعت استطلاعات الرأي أنها ستكون وريثة مارغريت تاتشر وليس تراس. وأثارت حركاتها ولفّ العلم البريطاني على جسدها، ذكريات حرب فوكلاند ودعمها للبريكسيت، ما جلب لها دعما واسعا، حيث ظلت في المرتبة الثانية بعد وزير الخزانة السابق ريشي سوناك.

وبالنسبة لتراس، فتعثرها في الأيام الأولى من الحملة الانتخابية ودعمها لمعسكر البقاء في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى عضويتها أيام الدراسة في الحزب الليبرالي الديمقراطي، لم تكن مؤهلات تجعلها مفضلة لقواعد المحافظين. ولم يتدفق نحوها الداعمون من الحزب، ففي الجولة الأولى حصلت على 50 صوتا من بين 357 صوتا في البرلمان، وبعشرة أصوات أعلى من الوزيرة في المرتبة الدنيا كيمي بادنوش، التي حصلت على عناوين إخبارية أحسن منها.

إلا أن الحماس لموردانت كان قصير الأمد وفقدت بادنوش الزخم، فقد وصفت موردانت رئيس الوزراء المستقيل وفترته بـ”النموذج الفاشل”، وهو ما لم يتقبله الكثير من نواب الحزب في معسكر اليمين. فما تبقى من دعم وحنين لجونسون، كان عاملا مهما في الحملات الانتخابية لزعامة الحزب، وساعد تراس في كل جولة وحركة انتخابية. وكانت آراء موردانت حول العابرين جنسيا وراء انفجار فقاعتها وساعدت حظوظ تراس. وهاجمت الصحافة المؤيدة للمحافظين وعلى مدى أيام مواقف موردانت. وتم عقد صفقة بين النواب الذين دعموا النائبة العامة سويلا برافيرمان وتراس. ولعبت الأخيرة دور الموالي لجونسون، فقد تجاوزت موردانت، في المرحلة الأخيرة والحاسمة من تصويت النواب، وحصلت على الفرصة للتنافس في انتخابات قواعد الحزب إلى جانب سوناك.

وقامت بحملة لستة أسابيع حول بريطانيا، حيث صوت 150.000 من أعضاء الحزب على مرشحهم الأخير لزعامة الحزب. وسيعلن يوم غد الإثنين عن الفائز، والذي سيكون بالتأكيد تراس. وفي يوم الثلاثاء، ستسافر إلى بالمورال للقاء الملكة وتعود كرئيسة وزراء قبل أن تعلن عن حكومتها الجديدة، وكل هذا مرتهن بالظروف وعدم حدوث معوقات غير متوقعة.

وكانت الجولات الثلاث السابقة لاختيار زعيم المحافظين، واضحة ومن السهل شرحها. فقد كان ديفيد كاميرون الحداثي الشاب، والإجابة المحافظة على توني بلير، في وقت كان منافسه في عام 2005 ديفيد ديفيس يمثل التيار القديم. وفي 2015 فازت تيريزا ماي بدون تصويت الأعضاء عندما قررت أندريا لاندسوم الخروج من السباق. وفي عام 2019، كان بوريس جونسون محبوب الحزب، فهو الشخص الذي قاد حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفاز على جيرمي هانت، الأقل جاذبية والداعم للبقاء في الاتحاد.

وبالنسبة لتراس، فمؤرخو الحزب سيجدون صعوبة في تفسير فوزها، فقد حصلت في الجولة النهائية على 32% من أصوات نواب المحافظين مقابل 38% لسوناك. وحصل جونسون على 51% من الأصوات في نفس المرحلة عام 2019. وفي ليلة فوزها على موردانت لكي تصبح المرشحة الثانية في معركة الخلافة، شعر نواب الحزب بالقلق من أن الوضع يشبه عام 1995 لو انتخبوا جون ريدوود. كما أنها ليست محبوبة بين ناخبي الحزب عام 2019. وفي استطلاع “أوبزيرفر” هذا الأسبوع قالت نسبة 21% إنها رئيسة وزراء في جناح الانتظار، فيما قالت نسبة 27% إن سوناك هو المرشح الأفضل.

ويرى الوزير المحافظ السابق، بول غودمان، ومحرر “كونسيرفتف هوم” أن سر نجاح تراس هو “التكيف”، فهي من دعاة الخروج وأصبحت محبوبة الذين أرادوا الخروج. وهي عضو سابق في الليبراليين الديمقراطيين وأصبحت اليوم بطلة في عيون اليمين المحافظ. ولاحظ وزير محافظ سابقا قائلا إن “ليز هي لاعبة داهية وبحدس سياسي حاد لا يراه الكثير من الناس، وقضت وقتا طويلا بين أعضاء الحزب وهم الذين يصوتون”.

وقد ساعدتها هذه التجربة على فهم الطريقة للتقرب إلى أرستقراطية الحزب وعلى جانب اليمين. وجزء من التكيف، كما يقول أنصارها هو تحويل الضعف إلى قوة، ولعب دور المرشح الموالي والصادق. ويقول لوك تريل، المستشار الخاص المحافظ السابق ومدير “مور إن كومون” والتي تدير استطلاعات منظمة حول المرشحين إن الناس أحبوا تراس لأنها صريحة ولكونها سياسية عادية.

وهذه كفاءات محبوبة في البلد وليس في داخل الحكومة، وقال: “ما رأى الكثير من المعلقين في ضعف تراس حولته لقوة، وأحب الناس فيها الصراحة وإجابتها على السؤال، وأحبوا حديثها أنها جاءت من مدرسة حكومية في ليدز”. وعندما قالت إنها ليست المرشح الأكثر جاذبية أحبها الناس لأنهم رأوا فيها تواضعا وصراحة. وأضاف أن الناس رأوا في سوناك شخصا من طبقة مختلفة ولم يحبوا الطريقة التي تعامل فيها مع تراس. وعندما سألها عن موقفها من حزب الليبراليين الذي عارض الخروج، شعر الكثير من الناس أن كلامه رخيص.

وبالمقارنة، فتاريخ سوناك وعلاقاته وثروته الكبيرة وتهرب زوجته من الضريبة واستقالته بسبب فشل قيادة جونسون، أثار غضب الناخبين المحافظين وزاد من الانطباع أن تراس أكثر ارتباطا بقيم الحزب. وقال نائب بارز إن ولاء تراس لجونسون كان عاملا مهما في تقدمها مقارنة مع سوناك الذي “كان في نظرهم الرجل الذي طعن بوريس في الظهر. وعندما أتحدث مع الأعضاء، فلديهم حماس قليل لها ولكنهم يتفقون: لن يكون سوناك”.

ويرى أنصارها أنها كانت محظوظة، فلو كانت لدى سوناك فرصة للترشح قبل ظهور قصص التهرب الضريبي لكان تفوق عليها. إلا أن الأمور تغيرت، فقد زادت كلفة المعيشة وشعر الكثير من الناس أن سوناك لا يقدم أجوبة، كما أنه مزيف وليس أصيلا، ثم هناك العثرات في الكلام مثل حديثه عن بناته اللاتي يتناولن إفطارا في ماكدونالز والذي لم يخفض ثمنه منذ عامين. وهناك ثروته، والتي يراها أعضاء الحزب مسألة مهمة، وكان من الواضح أنه يائس لكي يكون رئيسا للوزراء.

ويقول أنصار سوناك إن ملامح من العنصرية بدت في حملته، مع أنه لا يوجد ما يثبت ذلك. وقال أحدهم: “هناك البعض لا يزال يؤمن أنه يجب أن يكون رجلا أبيض أو امرأة بيضاء. وهناك شعور بين الأعضاء بأن يكون هناك شخص مثلنا، وهذا في جزء كبير منه بالوعي الباطن”.

وقدمت تراس نفسها كمرشحة الأمل مقارنة مع تقييم سوناك للاقتصاد. ووضعت تراس مسألة خفض الضريبة في مركز سياستها، في وقت رفض سوناك الحديث عن خفض الضريبة. وهو أمر سيزيد من التضخم في ظل الظروف الحالية. ويرى وزير سابق استقال من حكومة جونسون، أن سوناك هو الذي كان واضحا وصريحا ولكنه دفع الثمن. و”ما لم يفهمه، هو أن الناس يحبون قصص الخيال ويعشقونك عندما تعطيهم الكثير بدون دفع الثمن”.

وأعادت تراس تغيير مواقفها من البريكسيت، ويرى روب فورد، أستاذ السياسة في جامعة مانشستر، أن تراس نجحت أكثر من سوناك من خلال الاصطفاف مع مصالح وغرائز اليمين في قيادة المحافظين. و”منذ بداية التنافس على القيادة، كان حدسي هو أن المرشح الذي سيظهر من تصويت النواب كحامل لواء اليمين سيكون المرشح المفضل لدى الأعضاء. وانتهت تراس كمرشحة وكانت الأقوى منذ اللحظة الأولى التي ركز فيها الأعضاء على الحملة”، هذا إلى جانب ولائها لجونسون، خاصة أن قطاعا كبيرا من الأعضاء لم يفقدوا الثقة به. وكان قرارها عدم الاستقالة من حكومته حاسما في منحها التميز مقارنة مع سوناك الذي استقال. وكل ما كان على تراس إظهاره هو الولاء لسلفها أكثر من الذي طعنه في الظهر.

أوبزيرفر