“نهاجم ويتبعنا العالم”.. متى تدرك إسرائيل أن خطابها يقرب إيران إلى النووي؟
إيران هي التي ستقرر ما إذا سيكون اتفاق متجدد بينها وبين القوى العظمى في الموضوع النووي. معظم البنود المختلفة، التي حسب التقارير لا تزال موضع خلاف، لا تعنى بالمسائل الجوهرية، مثل كمية المادة المخصبة وقدرات التخصيب والرقابة المستقبلية، ويخيل أن البحث حولها يساعد الإيرانيين في تمديد الوقت والأمل بتحقيق إنجازات. في واشنطن وعواصم أخرى حسم الأمر؛ إذا ما وعندما يقرر آية الله خامنئي، سيكون توقيع.
بعيون إسرائيلية، يبدو الاتفاق المتبلور أقل جودة من ذاك الذي خرجت منه الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب في 2018، وأقل جودة مما وضع على الطاولة في مراحل أولية من المفاوضات، وحتى أقل جودة مما سيكون عليه الواقع على الأرض. فالإيرانيون تقدموا جداً في إنتاج اجهزة الطرد المركزي، وقادرون على أن يخصبوا اليورانيوم بسرعة أكبر مما كانوا.
للسياسة الإسرائيلية في العقد الأخير نصيب محترم في هذا الوضع البشع. بدأ هذا بهجمة نتنياهو الوقحة على إدارة أوباما، في ظل تدخل فظ في المياه العكرة للسياسة الأمريكية. توصل بتحفيز حكومة نتنياهو – ترامب للخروج من الاتفاق النووي، رغم أن إيران التزمت بشروطه، ورغم أن معظم المهنيين المنشغلين في المجال اعتقدوا بأن أي وضع اتفاقي هو أفضل لنا. وتواصل بالمعارضة التلقائية للحكومة الحالية لكل اتفاق، والإصرار على بنود لا تتعلق بالنووي، وخطاب حماس عن هجوم في إيران وأعمال منسوبة لنا لم يكن لها صلة بالبرنامج النووي… كل هذه لعلها جمعت النقاط في الداخل لكنها كانت مجدية قليلاً جداً في إبعاد إيران عن القنبلة.
ينبغي القول: حتى الاتفاق غير الجيد، إذا ما وقع، أفضل من وضع عدم الاتفاق. لقد أثبتت إيران بأنه لا يمكن إخضاعها بالعقوبات والهجمات السرية أو بتهديدات الهجوم العسكري. التراجع إلى الوراء في قدراتها والرقابة الأوثق على أفعالها ستبدد مدى أمننا، وإذا ما التزمت بالاتفاق فهذا المدى كفيل بأن يبتعد حتى نهاية العقد على الأقل.
لكن الأهم من هذا هو إبعاد النظام الإيراني عن قرار التسلح بسلاح نووي. فقد أثبت التاريخ بأن دولة تقرر الوصول إلى قنبلة، مهما يكن، وصلت إليها بالفعل (وبالمناسبة، عدد الدول التي تستنتج أن النووي يمنحها حماية حقيقية من هجوم عسكري عدد يرتفع، كدرس مما حصل لأوكرانيا). لقرار كهذا مضاعفات هائلة، وعليه فإن النظام الإيراني، مهما كان متطرفا، امتنع عنه حتى الآن. السياسة الحالية لإسرائيل تدفعه إليه. هذا هو وقت التفكير بسياسة أخرى.
نقطة منطلق هذه السياسة القول بأن إيران نووية تشكل خطراً، سواء لأن سلاحاً للدمار الشامل سيكون في يدي عدو متزمت، أم لأن سباق تسلح نووي سيبدأ في المنطقة كلها. وإن كانت هناك مجالات صدام أخرى مع إيران، فكل خطوة لإسرائيل يجب أن تفحص عبر منشور: هل يقرب إيران من هذا القرار أم يبعدها عنه؟
أما الفرضية الثانية، باستثناء “خيار شمشون”، فهي أن أي هجوم عسكري إسرائيلي لا ينبغي أن يُفعّل إلا إذا وصل “السيف إلى الرقبة وبدأ بالحز”، على حد قول رئيس الموساد الراحل مئير داغان، فإن منع القنبلة عن إيران بالقوة لن يتم من قبل إسرائيل وحدها. ينبغي إعداد هذا الخيار، لكن التلويح به لاعتبارات داخلية والتعلل بالأوهام مثل “سنهاجم وعندها ينضم العالم” سيقرب الإيرانيين من القرار والتنفيذ.
يجب أن تكون اللعبة أكثر تعقيداً وذكاء بكثير. إيران دولة كبرى، وتحاذي دولة سنية نووية (باكستان) من جهة، وقوة عظمى إقليمية بسيطرة الإخوان المسلمين (تركيا) من الجهة الأخرى. لها مصالح مركبة مع القوى العظمى العالمية والإقليمية، وهي تهدد دول المنطقة بقدر لا يقل وربما أكثر مما تهددنا.
على إسرائيل أن تعمل بتنسيق مع العالم برئاسة الولايات المتحدة ومع شركاء في المنطقة، لخلق توازنات وكوابح حيال المصالح الإيرانية في أماكن مختلفة، والقيام بأعمال إحباط في إيران فقط وحصرياً في سياق البرنامج النووي، والشفاء من الإيمان الأعمى (أو الخطاب السياسي) الذي يقول إن الحل الحقيقي لكل مشكلة هو قوتنا. وإلا، فإننا نحن من نقرب إيران من القنبلة بدلاً من أن نبعدها عنها.
يديعوت أحرونوت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews