ذروة التدخل الأمريكي في الشأن التونسي

1- التدخل وتوسيع دائرة الصراع

بعد أن كانت التصريحات الأمريكية في الشأن التونسي تصدر عن سفيرهم أو وزير خارجيتهم، الآن انتقلنا إلى تصريح وزير الدفاع الذي تناول أزمة الديمقراطية في تونس ضمن معركة إقليمية، في أفريقيا.

ولعل أخطر ما في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد جيه أوستن، في حفل تغيير القيادة بالقيادة الأمريكية في أفريقيا الثلاثاء الماضي (09 آب/ أغسطس 2022)، هذه الجملة: "في جميع أنحاء أفريقيا، يقاتل أولئك الذين يدعمون الديمقراطية والحرية وسيادة القانون قوى الاستبداد والفوضى والفساد".

هل يريد أن يقول إن الاحتجاجات السلمية غير كافية، وهو ما قاله سفير أوروبي للأستاذ أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني، فأجابه: "هل تريدوننا أن نتقاتل؟".

وزير الدفاع الأمريكي تناول الملف التونسي ضمن حالة إقليمية وضمن صراع محاور، حيث أشار إلى "غرباء يريدون إحكام قبضتهم على القارة". طبعا الطرف الغريب ليس فرنسا، فدول القارة الأفريقية هي مستعمرات فرنسية سابقة، إنما المقصود المحور الروسي الصيني الإيراني.

فهل اقتنعت أمريكا بما قيل عن الحضور الإيراني في تونس وأفريقيا (ضمن محور كامل روسي صيني)؟ أن يتكلم وزير الدفاع الأمريكي في المسألة مع استعمال مفردة "قتال" من أجل الديمقراطية، يعني أننا مقبلون على سيناريو سيئ.

قد يعصف بالاستقرار الهش وبالسلم الأهلي، خاصة أن التصريح تضمن ما يُفهم على أنه "إنذار" لجيوش في أفريقيا يتهمها بإسقاط أنظمة مدنية لفائدة الأوتوقراطية. يقول وزير الدفاع الأمريكي: فلنكن واضحين: الجيش موجود لخدمة شعبه، وليس العكس، ويجب على الجيوش أن تلعب دورها المشروع. هذا يعني الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية سيادة القانون، لا إسقاط الحكومات المدنية أو الانغماس في الفساد. وهذا مهم بشكل خاص الآن، عندما تكون الأوتوقراطية في مسيرة حول العالم.

2- تونس في عين العاصفة

اللافت في التصريح أنه خصّ تونس بالذكر، وهو ما يعني أن الأيام القادمة ستشهد مزيدا من الضغط على قيس سعيد ومزيدا من التدخل بطرائق متعددة يُجيدها الأمريكان ويتفننون فيها، نظرا لقدرتهم على الاختراق الاستخباراتي لأجهزة الحكم وحتى الأنسجة المجتمعية. يقول أوستن: "ويمكننا أن نشعر بهذه الرياح المعاكسة في تونس، التي ألهم شعبها العالم بمطالبه بالديمقراطية. اليوم، أصبح حلم تونس بالحكم الذاتي في خطر مرة أخرى. لكن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم أصدقائنا في تونس -وفي أي مكان في أفريقيا- الذين يحاولون تشكيل ديمقراطيات منفتحة وخاضعة للمساءلة وشاملة".

تونس بالنسبة للغرب وأوروبا هي منصة عائمة، وهي بوابة عبور ويحتاج العالم استقرارها السياسي والاجتماعي، ولا نستغرب اهتمام كامل أوروبا إضافة إلى أمريكا وبريطانيا وقوى أخرى صاعدة مثل إيران وتركيا بالشأن التونسي، بلد صغير المساحة والإمكانيات، ولكنه شبيه بلبنان في كونه ملتقى حضارات ومنطقة تقاطع مصالح دول وقارات ومحاور. هذا البلد الصغير يمكنه الاستفادة من هذه الخصوصيات، كما يمكن أن ينفجر إذا ما كانت التدخلات أكبر من طاقته وقدرته على الاستيعاب.

3- هل خرج الوضع عن السيطرة؟

الأزمات كلما بلغت ذروتها إما أن تنفجر وإما أن تختمر.. تنفجر اجتماعيا حين يفقد الناس الأمل فيتمردون على الدولة ويخرجون عن القانون، أو تختمر فتتحول أسئلة يتصدى الساسة والعقلاء للتفكير فيها والإجابة عنها بحثا عن تسويات وحلول.

إن الرياح العاتية إنما تتسرب من شقوق البنايات، وما كان لتتدخل في الشأن التونسي قوى خارجية لولا ما استفحل من خصام الساسة عندنا، حتى أنهكوا أنفسهم وأنهكوا الدولة وأصبحنا عاجزين حتى عن توفير مواد أساسية من غذاء ودواء.

قيس سعيد معني بالبحث مع القوى الوطنية أحزابا ومنظمات عن مخرج من الأزمة، يمنع تدخلات خارجية تريد جرنا إلى معركة إقليمية بأجندات خبيثة لا تفيد التونسيين في أمنهم ومعاشهم؛ وإنما تُفقدهم سيادتهم وتحولهم إلى شعب منكوب ينتظر الإغاثة وتدخلات منظمات الأمم المتحدة.

عربي 21