حسابات الانتقام الجزائرية تصب في مصلحة المغرب
روسيا عازمة على توسيع نفوذها في شمال أفريقيا من بوابة الجزائر في محاولة لتعزيز وجودها داخل القارة، وتعتبر مرتزقة فاغنر الأداة الأساسية في يد الروس لتحقيق هذا الهدف في مالي وليبيا وموزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، تتقاطع رغبات روسيا لتعزيز هيمنتها مع رغبة الجزائر التوسعية في المنطقة والتي تصطدم وجهاً لوجه مع مصالح الغرب.
وتستمر العلاقات بين روسيا والجزائر في النمو في خضم الغزو الروسي لأوكرانيا، وتجاهل الدول الغربية لكل محاولات الجزائر النيل من المغرب من مدخل الصحراء المغربية، وتكثفت اللقاءات بين مسؤولي البلدين ما يوحي بأن التقارب إنما هو بدافع الثأر من العواصم الغربية وعلى رأسها مدريد. وقد استضافت موسكو اجتماعا بين المدير العام الجزائري للتوثيق والأمن الخارجي نورالدين مقري وأمين مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف الذي يحظى بنفوذ كبير داخل الكرملين، ما يعني أن الروس يركزون على استثمار المعلومات الأمنية التي ستوفرها الأجهزة الجزائرية في الساحل والصحراء لزيادة نفوذهم في المنطقة.
الغرب، وعلى رأسه واشنطن، يرفض التدخل الروسي في ليبيا والبلدان المجاورة ودول الساحل والصحراء، وأيضا يرفض التأثير الروسي السلبي على الطاقة والأمن الغذائي الذي خلفه الصراع في أوكرانيا.
وفي زيارة له نهاية مارس الماضي حث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الجزائر للحد من العلاقات مع روسيا، والتطلع إلى تحسين العلاقات مع المغرب المجاور، لكن العكس هو ما حصل، حيث عمل المسؤولون الجزائريون على تكثيف حملة العداء تجاه الرباط، وتمادوا في استعداء إسبانيا بشكل خاص لأنها اعترفت بسيادة المغرب على صحرائه.
المغرب سجل نقاطا عديدة لصالحه رغم الأجواء التي أرادت الجزائر تسميمها. لم يلاحظ على الرباط أيّ تشنج في طريقة إدارته للمشاكل التي خلقتها الجزائر، بل موقفه المبدئي دفع الدول الغربية إلى تعميق تعاونها مع الرباط في عدد من الملفات الثقيلة، من قبيل الهجرة والإرهاب والمناخ، والذهاب بعيدا في دراسة مشروع الربط القاري بين أفريقيا وأوروبا عبر المغرب وإسبانيا، الذي من المتوقع أن تنطلق الأشغال الفعلية فيه عام 2030.
حتى محاولة النظام الجزائري الركوب على الأحداث التي وقعت في مليلية مؤخرا، باءت بالفشل، واعترفت إسبانيا أن المغرب متعاون وشريك استراتيجي في ما يتعلق بالهجرة وأن ما وقع كان مدبّرا. وكانت مؤشرات قوية تقول إن التساهل الجزائري على الحدود كان سببا في تدفق المهاجرين غير النظاميين، من ضمنهم أعضاء مافيا التهريب، نحو المغرب وخلق فوضى على باب مليلية، أثناء محاولة الاقتحام الجماعية الأخيرة للسياج الحديدي على مستوى إقليم الناظور، للمرور نحو أوروبا.
أبرم الاتحاد الروسي عدة صفقات أسلحة مع الجزائر، وفي مارس 2006 قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة الجزائر للتفاوض بشأن تسوية ديون الحقبة السوفياتية، حيث وافق على التنازل عن الديون مقابل موافقة الجزائر على شراء كمية معينة من السلع الصناعية من روسيا، صفقة كان الخاسر فيها الجزائر على المستوى السياسي والعسكري والمالي، وزادت من مخاوف دوائر القرار الأمني والعسكري الغربية من أن روسيا تخطط لإقامة قاعدة عسكرية في البحر الأبيض المتوسط على الحدود الجنوبية لدول حلف الناتو.
كانت المخاوف الأوروبية من التعاون بين روسيا والجزائر قبل سنوات مفهومة، وأثبتت الأزمة الجارية مع إسبانيا بوابة أوروبا الجنوبية، أن الجزائر لا يمكن التكهن بردود فعلها الارتجالية وغير المدروسة، الأمر الذي عزز فكرة عدم الثقة في التعامل مع النظام الجزائري تجاريا وسياسيا وأمنيا.
والخطير أن تتبع الجزائر روسيا باستخدام الغاز الطبيعي كسلاح سياسي في النزاعات، وكانت قد جرّبته بشكل عملي مؤخرا ضد المغرب وإسبانيا.
تقامر الجزائر في محاولتها التلاعب بالدول الغربية، وذلك بالذهاب بعيدا في علاقتها مع روسيا على حساب الوعود الأمنية والوصول إلى موارد الطاقة، خصوصا مع وعود الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة والجيش الجزائري بإمكانية القضاء على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ليختار لاحقا منطقا مغايرا تماما.
وعلى عكس النظام الجزائري، الذي وظف الحرب على الإرهاب مبررا لإعاقة التقدم الديمقراطي والحقوقي، لم يضع المغرب محاربة الإرهاب في كفة مقابل كفة التضييق على حرية الرأي والتعددية السياسية وحقوق الانسان. المغرب لم يستغل مثلا الحادث الإرهابي بالدار البيضاء في مايو 2003، أو حل حزب العدالة والتنمية المنتمي إلى أحزاب الإسلام السياسي، بل كانت صناديق الاقتراع هي الفيصل في وضع هذا الحزب في موقعه السياسي والاجتماعي.
هذا المتغير جعل الدول الغربية تتوقع الكثير من المملكة، لتعميق العازل الديمقراطي ضد أيّ حركة متطرفة. وكانت الأدوار التي لعبتها الرباط حاسمة في تعطيل طموحات الجماعات الإرهابية بالمنطقة. ولهذا قال الجنرال ستيفان تاونسند قائد القوات الأميركية في أفريقيا بعد انتهاء تدريبات الأسد الأفريقي 22 إننا “نشهد تصاعدا للتطرف العنيف في أفريقيا الغربية، وخصوصا في منطقة الساحل”، مبرزا أن المغرب شريك رئيسي وأساسي للولايات المتحدة في هذه المنطقة من القارة الأفريقية.
إذا كانت روسيا استطاعت القيام باختراق استراتيجي للنظام الجزائري الذي يخدم أجندتها داخل المنطقة، حيث يستغل بوتين حاجة النظام الجزائري لضمان حماية له بعدما فتح صراعا غير محسوب العواقب مع المغرب وعدد من الدول الغربية الأساسية، فإن هذا يناقض ما تقوم به الدول الغربية في أفريقيا، فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب ومنظمات تهريب البشر والمخدرات.
من جهة أخرى، حصل المغرب على اعتراف أميركي لازال قائما حول سيادة الرباط على الصحراء، وهذا مكسب دبلوماسي وسياسي، شكل عقدة أساسية للنظام الجزائري الذي لم يهضم بعد هذه التحولات، ولم يقدّم المسؤولون الجزائريون أيّ قراءة ذكية للعلاقات مع الغرب خصوصا في الأشهر الأخيرة، حيث راكمت الجزائر العديد من النقاط السوداء.
تقرب الجزائر من روسيا مبني على دافع الانتقام من كل ما هو غربي ومغربي، ولا يأخذ في الاعتبار مصالح الدولة والمنطقة. وهو ما تؤكده العزلة التي يعيشها النظام، والهزائم التي مني بها في ملف الصحراء المغربية وانكشاف دوره السلبي في تقويض عمل الأمم المتحدة ومبعوثيها للتوصل إلى حل سياسي دائم وحاسم.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews