مع ضعف الموقف الأمريكي تجاه إيران.. إسرائيل: حلنا الوحيد ردع “النووي”
إن قطع الإيرانيين لكاميرات الرقابة في موقع التخصيب في كاشان وإعلانهم عن بدء بناء موقع محصن جديد في نطنز، يظهر أن وجهة طهران ليست نحو التسوية.
تحوز إيران، وفقاً لمنشورات مختلفة، كمية يورانيوم مخصب بمستوى منخفض تكفي – إذا ما خصبت لمستوى أعلى – لإنتاج مادة لثلاث قنابل أولى.
في السطر الأخير، إذا قررت إيران البدء بتخصيب اليورانيوم لمستويات عالية (60 في المئة فما فوق) في الوقت القريب القادم، فسيكون أمام إسرائيل تحد لم تشهد مثيلاً له منذ حرب الأيام الستة، عندها ستضطر مرة أخرى لمواجهة خصم أيديولوجي ذي قدرة كامنة تهدد وجودها.
فأي خيارات مفتوحة، ظاهراً، لمنع هذا التهديد من أن يصبح واقعاً؟ ثمة من يتحدثون عن خيار عسكري مستقل، يسمى “أزرق أبيض”. حسب المنشورات، تدرب الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة في مناورة جوية واسعة النطاق بدت كشبيه لمسار هجوم في إيران.
مع ذلك، ودون التقليل من قدرات سلاح الجو الإسرائيلي، ينبغي القول في كل ما يتعلق بهجوم إسرائيلي ذاتي: أولاً، إن إيران ومنشآتها النووية في مدى عملياتي مركب. ثانياً، واحدة من منشأتي التخصيب المعروفة لديها، التي تسمى فوردو، توجد في باطن الأرض، الأمر الذي يصعّب إصابة ناجعة لهذا الموقع من الجو.
يطرح السؤال: ما الجدوى من هجوم يؤدي إلى إصابة جزئية فقط لمنظومة التخصيب، ويكون ثمنه المحتمل معركة عسكرية شاملة تنطوي أغلب الظن على ضربة ذات مغزى للجبهة الإسرائيلية الداخلية.
يجدر بالذكر أن لدى إيران قدرة على الرد على الهجوم من خلال تفعيل منظومة متعددة الجبهات، استناداً إلى قدرات المسيرات والصواريخ الموجهة، وكذا هذه القدرات لدى مرعييها: “حزب الله” في لبنان، والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة.
في كل ما يتعلق بخيار الهجوم العسكري، بالتعاون مع جهات أخرى، أولاً وقبل كل شيء مع الولايات المتحدة، يبدو احتمال هذا الخيار محدوداً للغاية، في ضوء نهج إدارة بايدن التي تعارض بالقطع استخدام القوة العسكرية وتتمسك بمحور عمل دبلوماسي – سياسي، كما ينعكس في سياسة واشنطن تجاه الحرب في أوكرانيا.
فضلاً عن ذلك، فإن الحرب هناك، إلى جانب ارتفاع في أسعار الطاقة، هما كابح آخر في وجه الساحة الدولية الغربية في كل ما يتعلق بتأييدها لهجوم عسكري في إيران، التي هي منتجة طاقة مهمة بحد ذاتها.
نشدد على أن إسرائيل لا تحتاج إلى الأمريكيين فقط في سياق هجوم في مسار التعاون، بل أيضاً في المسار “أزرق – أبيض”، وذلك في ضوء تعلقها بتوريد العتاد الأمريكي لحمايتها، مثل صواريخ الاعتراض وغيرها. بمعنى أن إسرائيل في كل حال مطالبة بأن تنسق خطوة كهذه مع الإدارة الحالية في واشنطن قبل الأوان، الأمر الذي يشكك بالتوفر الحقيقي لخيار الهجوم بالتعاون وبقدر ما أيضاً بالنسبة لذاك الخيار الذاتي.
كما أن الخيار السياسي، البديل ظاهراً، يبدو متهالكاً. ينبغي القول بشكل واضح إن إدارة بايدن والغرب تكبدا حتى الآن فشلاً ذريعاً في محاولتهما للضغط على إيران لقبول إطار الاتفاق كذاك الذي كان سابقاً، وبالتأكيد المخاطرة بإطار أكثر إلزاماً يتضمن إضافات، مثل تقييد تصدير الإرهاب وتطوير منصات حمل الصواريخ.
هذا الفشل محكوم مسبقاً بنجاح طهران في إقامة مسارات نحو الصين وروسيا، بل والهند، ونسج منظومات علاقات اقتصادية معها لا تتأثر بالعقوبات. منظومة العلاقات هذه، إلى جانب الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة، والصين من جهة أخرى، تضعف قوة واشنطن في الساحة الدولية بعامة وفي الساحة الإقليمية بخاصة.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن وزن الضغوط التي تقدمها دول الغرب الأخرى، على رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، هو في انخفاض كبير، بسبب الصراع ضد روسيا ومقتضياته الاقتصادية. ويبدو أن طهران على وعي جيد بهذه المعادلة، ورفضها الحالي يعكس إحساساً بقوة نسبية، سواء عقب ارتفاع أسعار الطاقة، لكن بقدر لا يقل عن ذلك، عقب العلاقات الاستراتيجية التي طورتها مع خصوم الولايات المتحدة والديمقراطيات الأوروبية العالميين.
إذاً، ما الذي يمكن لإسرائيل أن تفعله؟ يبدو أنه في غياب خيار عسكري وسياسي حقيقي، من الصواب لإسرائيل أن تستعد لاستراتيجية الردع. وذلك بالتوازي مع استمرار سياسة الإحباط المتداخل التي مارستها حتى الآن. لقد تطور الردع النووي، بحث فيه وطبق في عهد الحرب الباردة والسباق النووي بين الشرق والغرب. ويبدو أن على إسرائيل في ضوء الميول الراهنة، أن تطور استراتيجية ردعية خاصة بها، استناداً إلى الفرضية المعقولة بأن إيران ستواصل تقدمها نحو قدرات حافة في السنوات القادمة، ليس فقط في مجال المادة، بل وفي مجال مجموعة السلاح ومنصات حملها.
مبادئ الردع النووي التي تقوم على أساس القدرات المنسوبة لإسرائيل في المنشورات الأجنبية تستوجب بلورة مفهوم عملياتي جديد وحديث، وتطوير صندوق أدوات عملياتي لتحقيقه. وينبغي لهذه الاستراتيجية أن تقوم على أساس الفضائل العملياتية، وعلى قدرة الضربة الثانية، وليس أقل من ذلك، على معركة وعي تجعل هذه الخطوات أساساً لنظام الردع المتبادل الذي يجب أن يقوم بين إسرائيل وإيران.
النظام في طهران، الذي يتعلق استمرار وجوده باقتصاد النفط لديه ويتصدى لمقاومة شعبية واسعة، حتى لو كانت محبوسة حالياً، يجب أن يفهم بأن لدى إسرائيل قدرة على إيقاع ضربة وجودية به، بحيث يبقى السلاح النووي خارج قواعد اللعب.
ليس المقصود هنا فتح هذا النقاش الحساس إلا لدعوة أصحاب القرار في القدس وفي “الكرياه” لهجر الشعارات الداعية لفرض عقوبات حادة كوسيلة لمنع إيران من تطوير قدرات نووية، أو تلك الشعارات التي تلمح بنية إسرائيلية للعمل عسكرياً بشكل مستقل.
من الأفضل من ناحية إسرائيل أن تستعد جداً ومسبقاً لبناء رد استراتيجي في المستوى المناسب لمواجهة إمكانية أن تصبح إيران قريباً دولة حافة نووية، من خلال تطوير مفهوم ردع عملياتي بكل ما ينطوي عليه ذلك من معنى من ناحية استراتيجية الأمن العامة لديها.
معاريف
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews