بتبنيها “إخضاع طهران”.. لماذا تصر حكومات إسرائيل على سياسة “السخافة”؟

إذا ما كانت لإيران ذات يوم، لا سمح الله، قنبلة نووية، فسيتعين على إسرائيل إجراء حساب عميق للنفس بأي قدر ساهم سلوكنا، قولاً وفعلاً، في نشوء خطر وجودي. فالموضوع الإيراني، الذي يفترض أن يعنى بتصميمه انطلاقاً من رؤية واسعة وعديمة الاعتبارات الغريبة، هو عملياً مسيرة السخافة الإسرائيلية.

لنبدأ بمسألة الاتفاق المتبلور بين إيران والغرب. بعد خروج ترامب أحادياً من الاتفاق السابق بدفع من إسرائيل، كانت نتائجه أن إيران أقرب إلى كمية التخصيب اللازمة للقنبلة من أي وقت مضى. اتفاق كهذا سيعيد إيران إلى الوراء في مسار التخصيب، ويستأنف الرقابة الدولية، وسيؤجل إمكانية أن تقرر إيران الولوج إلى القنبلة. هذا بالضبط ما حصل بعد الاتفاق السابق.

لكن الحكومة الحالية، مثل سابقاتها، تواصل القتال ضد الاتفاق. ربما لأن أحداً لا يريد أن يبدو وكأنه “ضعيف أمام إيران”، أحد الأصوات السياسية السيئة في مطارحنا، وربما انطلاقاً من الرغبة لتحسينه في نقاط ليس لها أي صلة بالهدف الأهم من ناحية إسرائيل – إبعاد إيران عن القنبلة. هذا الهدف، ذو الأهمية الخاصة، يختفي منذ زمن في جملة مواضيع أخرى أهميتها طفيفة قياساً إليه.

المعركة حيال الإيرانيين تحولت منذ زمن بعيد من وسيلة إلى غاية، رغم أن غير قليل من المحافل الخبيرة تعتقد أنها استنفدت نجاعتها الآن؛ لكن لم توقف إسرائيل استخدام القوة. والآن يتحدث محيط رئيس الوزراء عن نظرية “ألف قطعة صغيرة” تنفذ إسرائيل في إطارها داخل إيران أعمالاً هجومية.

لا يدور الحديث بالضرورة عن تصفية كهذه أو تلك، بل إصابة تعيد البرنامج النووي إلى الوراء هي ما يمكن أن تكون ذات قيمة. منذ زمن غير بعيد، تحدثت محافل رفيعة المستوى، استمراراً لأنباء عن هجمة سايبر ضد محطات وقود في إيران، بأن إسرائيل تحاول المس برفاه الطبقات الاجتماعية – الاقتصادية العالية في الدولة. “قشطدة طهران”، كي يؤثر هؤلاء على النظام. كان هذا سيسمى في مكان آخر إرهاباً؛ في كل مكان مهما كان – هذه أعمال سخافة.

يتمثل جذر المشكلة بجمود فكري في استخدام القوة كطريق وحيد لتحقيق غاية سياسية، بتبجح لاحتياجات داخلية، وبحديث بلغة الحسم (“سنحمل النظام إلى وضع يتعين فيه عليه أن يختار بين القنبلة والبقاء”، على حد قول بوغي يعلون). إيران دولة كبيرة، مع تاريخ طويل ورؤية لقوة عظمى. باستطاعة إسرائيل إنزالها على ركبها، مثلما لن تدمر إسرائيل برنامجها النووي بضربة عملية عسكرية – شبه هذيان آخر، شبه دعاية لاحتياجات داخلية، أنفق عليها المليارات عبثاً.

درء للشك: قنبلة نووية في أيدي النظام الإيراني خطر جسيم على إسرائيل ينبغي عمل كل شيء لمنعها، لكن هذا لن يحصل بعمليات إرهاب. إيران تحاذي دولة سنية نووية (باكستان) من جهة، ومن الجهة الأخرى قوة عظمى إقليمية سنية مع سمات الإخوان المسلمين (تركيا). لها مصالح مع روسيا والصين، وخصومات إقليمية شديدة. ينبغي الوصول إلى توازن مع خصم كهذا، واستخدام معركة واسعة وذكية انطلاقاً من اعتبار واحد ووحيد: ما الذي سيبعد النظام عن أن يقرر الوصول إلى قنبلة.

لقد علمنا التاريخ أن من يقرر الحصول على سلاح نووي، سيحصل عليه. ووفقاً لكل المؤشرات، رغم أن إيران قررت ذلك، لكنها تمتنع عن قصد عن الوصول إلى لحظة القرار. وبدلاً من توجيه كل شيء كي لا تصل إلى هناك، نستخدم القوة – الأمر الذي يبعدنا عن المفاوضات التي يجريها معها العالم، ومن شأنه أن يقرب النظام من هذا القرار. هذه مسيرة سخافة وقعت في مطارحنا في مواضيع أخرى أيضاً؛ غير أنها في السياق الإيراني من شأنها أن تنتهي بنتيجة أخطر بلا قياس.

يديعوت أحرونوت