هل تبدو الحرب في أوكرانيا مقياساً لصلاحية مستقبل النظام العالمي الجديد؟

تبدو الحرب في أوكرانيا بعيدة عن نهايتها، والمشاركون فيها باستثناء السكان، غير معنيين في انتهائها: زيلينسكي لأنه يريد أن يستنفد نجاحاته العسكرية.. روسيا تنتظر صورة النصر.. والولايات المتحدة معنية باستنزاف قوة الجيش الروسي وتأمل في استبدال الرئيس بوتين.

وللمعركة في أوكرانيا معنى آخر، ولعله أهم من مصير أوكرانيا نفسها: مستقبل النظام العالمي بين الشرق والغرب، بين مركزية الحكم في الصين وروسيا والديمقراطية الليبرالية للغرب. مثل تعريفات جارفة أخرى، هذا أيضاً يعاني من النقص ويتجاهل عللا كالميول الشعبوية في قسم من بلدان الغرب أو من التطرف اليساري المناهض لليبرالية في أجزاء من السياسة الأمريكية، ومن جهة أخرى من مصلحة الكثير من الدول الغربية للاستمتاع بالعالمين على المستوى الاقتصادي، ناهيك عن المصداقية الجريحة لأمريكا في نظر بعض شركائها. الصين وروسيا، اللتان قدرتا بأن الغرب وأمريكا اليوم في تراجع متواصل، قدمتا النبرة: “شرق صاعد وغرب هابط” و “انتهى عصر الليبرالية”. لكن الحقائق لا تتقرر بالشعارات فقط؛ فرغم مؤشرات الهبوط في مكانة الولايات المتحدة، من السابق لأوانه الحديث عن نظام عالمي جديد كما تفعل بكين وموسكو. الحرب في أوكرانيا أصبحت مقياساً لصلاحية ذاك النظام العالمي الجديد المزعوم. في نظر واشنطن، في ضوء ما يلوح في هذه اللحظة كفشل روسيا في أوكرانيا، إضافة إلى فشل مدو للصين في كورونا، فالكفة تميل في صالحها، فما بالك أن ثراءها الاقتصادي وقدرتها العسكرية لا يزالان ناجحان عنهما في الصين زائد روسيا.

مصدر اصطلاح “النظام العالمي الجديد” حاضر في الحكم النازي، فقد تناول القواعد التي اتبعها في ألمانيا نفسها وأراد فرضها على أوروبا كلها. لا غرو إذاً أنه أساء لي حين استخدم الرئيس بوش الأب اصطلاح النظام العالمي الجديد لتثبيت المبررات في حرب الخليج. هناك من يعتقدون أنه لا يزال ممكناً الامتناع عن مواجهة شاملة، وأنه يمكن الوصول إلى تفاهم وتعاون متعدد الأقطاب، أو كبديل، إقامة مناطق نفوذ متفق عليها، لكن الميول التي تلوح في الأفق لا تؤكد هذه التقديرات. ثمة إمكانية أنه إذا لم يكن حسم بين الطرفين فستكون النتيجة فوضى ونزاعات غير متوقفة وفترة طويلة يكون فيها كل أزعر رجلاً.

قبل قضية أوكرانيا، حاولت الولايات المتحدة وقف البندول المبتعد عن جدول الأعمال الليبرالي من خلال إطار جديد لدول ديمقراطية، لكن ثارت جدالات حول ملاءمة دول معينة. وعلى أي حال، لم يكن واضحاً أي صلاحيات ستعطى للإطار المخطط له. وإن دولة بارزة واحدة تضم كل المضامين السلبية ظاهراً للصين وروسيا، مضافة إليها أعمال إرهابية وميول جهادية معلنة تجاه دولة أخرى، تنقص في قائمة “الأشرار” لدى الولايات المتحدة والغرب: إيران، رغم أنها هي نفسها لا تخفي نواياها وتماثلها مع المعسكر الساعي للانتصار على الغرب. هكذا يعلن مثلاً زاده مشكيني، الناطق بلسان لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني: “في النظام العالمي الجديد، هدف القوى العظمى الثلاث – إيران، روسيا والصين – هو وضع حد لهيمنة غير نزيهة تتبعها الولايات المتحدة والغرب”. وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أعلن مؤخراً بأن اتفاق التعاون الاستراتيجي بين بلاده والصين دخل حيز التنفيذ.

قد تغيب إيران عن قائمة “الأشرار” لدى الغرب؛ لأنها لا تتساوى في قوتها مع الصين وروسيا، أو يبدو للغرب أنها لا تعرضه للخطر مباشرة، أو ربما ببساطة لأنه هو نفسه يسعى للاتفاق ولتوسيع علاقاته الاقتصادية معها. ويحتمل انه لا يزال يحوم فوقه وهم من عهد الرئيس أوباما بأن إيران ليست عدواً، وأنه ينبغي تخصيص منطقة نفوذ لها في الشرق الأوسط. وثمة أصوات أخرى في الولايات المتحدة: باحثون كبار في معهد البحوث الواشنطوني “هدسون” يذكروننا بأنه بين عناصر الجبهة الثلاثية هذه، تبدو إيران هي الأكثر هشاشة، ويدعون الولايات المتحدة للعمل بما يتناسب مع ذلك.

معاريف