Date : 25,04,2024, Time : 04:31:44 PM
4800 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الثلاثاء 01 شوال 1443هـ - 03 مايو 2022م 12:24 ص

حرب القيم بين موسكو وهلسنكي

حرب القيم بين موسكو وهلسنكي
د. مدى الفاتح

أعادت المشاورات حول انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، ذلك البلد إلى واجهة الأخبار بعد عقود طويلة اتبعت فيها هلسنكي سياسة مبنية على النأي بالنفس والحياد أمام التجاذبات الدولية.
هذه المساعي التي تأتي في ظل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية تدفع إلى التفكير بمآلات خروج فنلندا عن نطاق الحياد، وتأثيرات ذلك في الأمن الأوروبي، فالأكيد أن روسيا التي كان أحد أسباب أزمتها مع أوكرانيا، نية الأخيرة الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لن تتقبل ببساطة انضمام فنلندا التي تتشارك معها حدوداً طويلة.
تقرُّب فنلندا من الحلف الأطلسي لم يكن المؤشر الأول على انضمامها للمعسكر المناوئ لموسكو، فقد سبقت ذلك تصريحات وإدانات ومشاركة لدول أوروبية أخرى في سياستها المعاقبة لروسيا. هذه السياسة المعادية للجارة الكبيرة لم تكن بلا خسائر، من ذلك تأثر المدن والمناطق الحدودية الفنلندية التي كانت تعتمد على السياح والمتسوقين الروس، الذين يأتون بأعداد كبيرة عبر القطار أو الطرق البرية. اليوم وبعد وقف ذلك القطار والتضييق على دخول المواطنين الروس تعطلت تجارة كانت تدر دخلاً يومياً كبيراً. لك أن تتخيل أن بعض مراكز ومجمعات التسوق الحدودية التي كانت معتمدة على الروس آثرت إغلاق أبوابها اليوم. مع ذلك فإن الخسارة الأكبر لم تكن خسارة اقتصادية بقدر ما كانت خسارة أمنية، فمنذ أواسط القرن الماضي اتبع البلدان سياسة متوازنة تجاه بعضهما بعضا، فاحتفظت هلسنكي بعلاقة طيبة مع موسكو، ملتزمة بعدم الانضمام لحلف الناتو، مقابل ذلك لم ير الروس أنهم بحاجة لتهديد فنلندا طالما أنها كانت تحترم الخطوط الحمر. اليوم، وإذ قامت فنلندا بضرب كل تلك التفاهمات بعرض الحائط، فإن النتيجة قد تكون تمدد الحرب إلى حدودها، وفي حالة بلد صغير وغير معتاد على حروب جدية داخل حدوده مثل فنلندا، فإن النتيجة ستكون أكثر كارثية مما هو حادث في أوكرانيا، التي يتمتع جيشها وقوات دفاعها الشعبية بقدرة وتجربة قتالية بسبب النزاع مع الانفصاليين. لا شك في أن فنلندا تقوم بمخاطرة كبيرة حين تدخل في تحدٍ مفتوح مع روسيا وهي التي كانت في غنى عن ذلك، وهنا يجب أن نتساءل: لماذا اختارت هذا، ولماذا أصبح الانضمام للمعسكر الأمريكي رغبة معظم الفنلنديين؟ إجابة هذا السؤال تقتضي دراسة أكثر عمقًا للواقع السياسي والاجتماعي الفنلندي، الذي سوف نكتشف أن معلوماتنا حوله قليلة للغاية، ولا تتجاوز قولنا إنها البلد الذي يعيش فيه المواطنون الأكثر سعادة والذي تعمل فيه الحكومة بشفافية غير مسبوقة، يحاسب فيها المسؤول على جميع منصرفاته، بما يتضمن ما يستهلكه من أكواب قهوة. هذه الإكليشيهات المبنية على دراسات تقوم بها الأمم المتحدة، أو منظمات أخرى لا تصمد كثيراً أمام بيانات الواقع، فالدولة الأسعد هذه هي أيضاً الأعلى في نسبة الانتحار، وهي التي ترتفع فيها معدلات الإدمان على الكحول بنسب أكبر بكثير من نظيراتها الأوروبيو الأخرى. نجد أثر الإدمان واضحاً في العنف الزوجي، وهنا مفارقة أخرى تكون فيها الدولة التي تتفاخر بكونها الدولة الأكثر تمكيناً للنساء، هي التي يكون فيها النساء ضحايا للعنف الأسري لدرجة تصل إلى وفاة العشرات منهن بهذا السبب.

النقطة الأهم والتي تتشارك فيها فنلندا مع دول اسكندنافية أخرى كالسويد أو آيسلندا، هي في كون هذه الدول تمثل مثالا للمجتمع ما بعد الليبرالي، الذي تتحقق فيه القيم الغربية بشكلها الراديكالي، خاصة في ما يتعلق بموضوع العائلة. إذ كنت تلاحظ أن هناك كثيرات من المسؤولين نساء في هذه الدول، وكثيرات من النساء يعملن في مهن شاقة أو مجالات كانت حكراً على الرجال، فيجب أن تعلم أن هذا ليس صدفة وليس مجرد مساعدة أو تمكين للمرأة، ولكنه أمر يتعدى ذلك ليكون فلسفة للحكم. فنلندا تحصلت على مرتبة متقدمة في هذا الشأن مقارنة بدول غربية أخرى أيضاً تبنت مشاريع المساواة التامة بين الجنسين وإلغاء التمييز. في هذا البلد، وكما تتعلم الفتيات اليافعات أن يكن قويات الشخصية والجسد، يتعلم الفتيان أيضاً أن عليهم اكتشاف الجوانب الأنثوية فيهم، فلا يتحرج الأهل من حمل الذكور على تجريب ألعاب الفتيات أو أدوات الماكياج، أو فعل كل ما يمكنه إلغاء تقسيم العالم إلى رجالي ونسائي في أذهانهم. ما الذي يحدث إذا أحب الفتيان الهيئة النسائية، أو أحبت فتاة ما أن تتقمص دور الشبان؟ يمكنهم أن يستمروا في ذلك، فهناك تسامح حول هذا الموضوع، وبحسب النظرية الاجتماعية السائدة، فالاختلاف بين الجنسين هو مجرد إيحاء وإسقاط مجتمعي، فالمجتمع هو من يقنع شخصاً ما بأنه أنثى أو ذكر وهذا يعني أنه بتغيير هذه النظرة المجتمعية فإن الفروق أيضاً تلغى بشكل تلقائي، من خلال القوانين والتشريعات، ولكن أيضاً من خلال التعليم المبني على مناهج عابرة لـ”الجندر” لا وجود فيها للتقسيمات المؤيدة للرجولة أو المكرسة للأنوثة، استطاعت فنلندا وغيرها من دول العائلة الاسكندنافية أن تخلق واقعاً جديدا وأن تفرضه كمنهج للمجتمع. خير دليل على هذا هو ما فجرته أزمة “السوسيال” السويدية، حين تم سحب أطفال مهاجرين من ذويهم بسبب ما وصف بأنه تربية “جندرية” تحتقر المثلية، أو تتدخل في خيارات الأبناء الجنسية. يرى البعض أن التحكم الذي تشتهر به النساء والذي يحاول خلق بديل معاكس للمجتمع الذكوري هو تطور طبيعي، بالنظر إلى أن نساء المنطقة هن سليلات حضارة “الفايكنغ” التي كان فيها الرجال يغيبون لفترات طويلة في رحلاتهم البحرية تاركين النساء لتحمل المسؤولية، وهي ملاحظة جيدة لكنها ليست كافية للتبرير، من دون اصطحاب فلسفة إعادة تعريف الأدوار المجتمعية. إعادة التعريف هذه لا تقتصر فقط على قيام النساء بتحمل أعباء كان ينظر إليها كونها قاصرة على الرجال، وإنما يتعدى ذلك لكل تفاصيل الحياة، بما يشمل تبادل الأدوار على مستوى العلاقات العاطفية، ابتداء من التصريح بالحب وانتهاء بالعلاقة الزوجية التي كثيراً ما تتحول لحقل تنافس وتنتهي بالفشل. الزواج الفاشل وحالة الأم العزباء ليس المشكلة الوحيدة التي تواجه هذه المجتمعات، فهناك أيضاً أزمة الحصول على الشريك، على ما يظهر فإن القوة التي منحت للنساء ساهمت في توجس الرجال أو عزوفهن عن التقرب إليهن.
بالعودة إلى الأزمة المتوقعة مع روسيا نقول، إن فنلندا وجيرانها تمثل كل ما هو مناقض لأيديولوجيا الحكم والمجتمع الروسي المبني على التقاليد الأرثوذوكسية والذي يرفض الليبرالية الأخلاقية على الطريقة الأوروبية. هذا التناقض يجعل الصدام بين الجهتين قدراً محتوما، خاصة أن المعسكر الغربي الذي يمزج الديمقراطية بالليبرالية الاجتماعية، لا يكتفي بتطبيق معاييره القيمية داخل حدوده وإنما يسعى لتصديرها وفرضها عبر التأثير الناعم، أو التدخل المباشر على المستوى العالمي، متجاهلاً كل اختلاف للثقافة أو الحضارة. في حالة الجوار الروسي لم يكن النموذجان ليعيشا في تجاور سلمي لوقت طويل. هذه النظرة تجعلنا نفهم كيف كانت أوكرانيا مجرد ذريعة تخفي خلفها حرباً شرسة حول القيم الاجتماعية، وهو ما يجعلنا نتذكر قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “إنهم كانوا يريدون سبباً لمعاقبة روسيا”. أما فنلندا والسويد فهما تشعران بأن هذه الحرب هي، بشكل ما، حربهم.

القدس العربي 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد