النووي الإيراني بين الإحياء والإلغاء
ستكون مفاجأة غير سارة لو اكتشفت إيران أن أحدا من مفاوضيها لا يفكر في إعادة الروح إلى اتفاق عام 2015.
لقد مات ذلك الاتفاق لا بسبب انسحاب الولايات المتحدة منه، بل بسبب اختراق إيران لبنوده وعدم تقيدها بمفرداته.
لم تتعامل إيران مع الانسحاب الأميركي بمزاج معتدل، بل قابلت ما اعتبرته ظلما بإجراءات تبرر القرار الأميركي وتستدعي مزيدا من العقوبات.
منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق أظهر النظام الإيراني عدم اكتراث به وبما يمكن أن يقود إليه عدم الالتزام ببنوده.
لو تصرفت إيران بطريقة حكيمة لكانت كسبت موقف الدول الأوروبية إلى جانبها. ولكن أوروبا الآن تشكك في إمكانية إحياء الاتفاق القديم.
هناك اليوم إيران نووية أخرى غير التي كانت عام 2015. وهي التي أفلتت من المعيار الذي عالجه الاتفاق الذي فرضه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما.
كان أوباما هو رجل الاتفاق النووي مع إيران. فهو الذي برمجه وهو الذي أبقاه حيا.
الأهم من كل ذلك أن إيران بالرغم من سجلها الإرهابي حصلت بموجب ذلك الاتفاق على المليارات من الدولارات كانت فائضة وزعتها على ميليشياتها.
كان الاتفاق النووي هو الكارثة التي جرت المنطقة إلى ما هي عليه اليوم. فلو لم تكن هناك إيران التي تحمل في جعبتها المليارات ما كان ذلك الاستقواء الميليشياوي في لبنان والعراق واليمن.
اليوم لا أحد يفكر نيابة عن الولايات المتحدة. ولكن الولايات المتحدة نفسها تفكر بطريقة مختلفة بعد عاصفة ترامب. لقد صحت الولايات المتحدة على الموعد الذي ستصبح فيه إيران دولة نووية. ذلك ما تخافه أوروبا أولا. وهو ما لم تعد به حلفاءها في المنطقة الذين باتوا يعلنون صراحة عن خوفهم من أن تخذلهم الولايات المتحدة. وهم محقون في خوفهم.
كان من الممكن أن تشاركهم أوروبا خوفهم لولا ثقتها بما تملك من وسائل ضغط لإيقاف أي تخاذل أميركي. فهل ذلك التخاذل متوقع الآن مثلما كان في الأيام الأولى لولاية الرئيس بايدن؟
لقد استرخت إيران مطمئنة إلى ما وصلها من تقارير تخص الموقف الأميركي الجديد. ذلك ما دفع بها إلى التشدد أو على الأقل الظهور بموقف الدولة غير المبالية بالاتفاق وهو ما دفعها إلى اختراقه من خلال تسريع العمل في منشآتها النووية.
لقد فاجأت إيران الدول الأوروبية التي سعت إلى أن تحميها من تأثير العقوبات الأميركية في مقابل أن تلتزم بالاتفاق النووي الذي كان بمثابة قارب النجاة بالنسبة إلى دولة أنهكتها العقوبات الاقتصادية ولم تعد قادرة عل تصدير إلا نسبة ضئيلة من نفطها.
لربما كان السلوك الإيراني بمثابة صدمة بالنسبة إلى إدارة الرئيس بايدن التي كانت تضغط في اتجاه إحياء الاتفاق النووي القديم وعبور المرحلة الحرجة بأقل الخسائر.
اليوم إذ تتفاوض إيران في فيينا من أجل إحياء الاتفاق القديم فإنها صارت على تماس مع حقائق جديدة عليها التعامل معها بشكل جاد مع تقدير حجم الخسائر التي ستتعرض لها. بمعنى أن على إيران أن تفاجئ نفسها بتنازلات هي ليست مستعدة لها من أجل أن تلين الموقف الأميركي الجديد الذي ما كان يصل إلى مرحلة التشدد لولا شعور الولايات المتحدة بحراجة موقفها أمام حلفائها وبالأخص إسرائيل والسعودية مع الأخذ بالاعتبار موقف الأوروبيين الجديد بعد أن فاجأتهم إيران بسلوكها غير الملتزم.
فهل إيران مستعدة للقيام بذلك؟
ولكن ألا يزال الأميركيون والأوروبيون في انتظار موقف إيراني مرن؟
لا أعتقد أن المسافة بين طرفي المفاوضات (الإيراني والغربي) قد تم اختصارها في الجولات السابقة. العكس هو الصحيح حيث صارت المسافة أكثر طولا والعلاقة أكثر تعقيدا. هناك ولايات متحدة أخرى في مقابل إيران أخرى. في مرحلة سابقة كانت الإدارة الأميركية مقبلة على إحياء الاتفاق النووي القديم، غير أن إيران أحبطت آمالها فانتبهت إلى خطئها، أما إيران فقد كانت مقبلة على إحياء الاتفاق النووي القديم من غير أن تتخلى عن رغبتها في التصرف كما لو أنها قارة بعيدة لا تقع تحت الرقابة الدولية.
هنا وقع الخلاف الذي لا يمكن أن يُحل عن طريق إحياء الاتفاق النووي القديم الذي يمكن اعتباره ميتا بسبب أن طرفيه صارا غريبين عنه وكل واحد منهما يفكر فيه بطريقة مختلفة عن الطريقة التي يفكر من خلالها الطرف الثاني. ما صار على إيران أن تدركه أن الأمور في حدود ما يُرى منها لم تعد تجري لصالحها.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews