Date : 28,03,2024, Time : 03:45:11 PM
5789 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: السبت 11 جمادي الآخر 1443هـ - 15 يناير 2022م 12:43 ص

أوروبا تحت سلطان لسان هاجريها

أوروبا تحت سلطان لسان هاجريها
مالك التريكي

اعتدت كلما عدت لزيارة بلدتي في شمال تونس أن أحاول الظفر بيوم خال من الالتزامات حتى أمضي سويعات في المشي في الشوارع السكنية الهادئة، بعيدا عن المركز الضاجّ بالحركة. فمن الأمكنة ما يزار وينسى ويفتح كما يطوى، أما بلدة الأصل والموطن، أما المنازل…، كما يقول أبو الطيب، فتبقى لها في القلوب منازل هنّ من روحها وعطرها أواهل رغم ما أدركها من عاديات الزمان ورغم ما نالها من إهمال السكان الذين أنساهم التكاثر أبجدية المدنيّة وأعجزهم التوالد عن مجرد حفظ ما كان. إذ لا سبيل لأن أتشرّب روح المكان إلا بأن أتمشّى وحيدا في الشوارع المظللة بالأشجار الباسقة. وهكذا كنت أصل كل مرة إلى مدخل الأرسنال (دار الصناعة) التي بنى فيها الفرنسيون حوضا لصيانة السفن، على بعد 23 كيلومترا من ميناء بنزرت، والتي تحولت قطبا صناعيا اجتذب من مطلع القرن العشرين حتى سبعينيّاته تونسيين كثرا، خصوصا من أبناء منطقة الساحل، مع آلاف من العمال والحرفيين الإيطاليين والمالطيين والفرنسيين. وقبل ذلك أمرّ بالمستشفى الكبير الذي فتح عام 1906، والذي فاجأني أن عاينت قبل سنوات توأما له من حيث التصميم والطراز المعماري في المستشفى الفرنسي في داكار، كما أمرّ بمدرسة القديسة سانت أنياس للراهبات التي كان فيها روضة أطفال حضنتني وأنا صبي في الرابعة. وغير بعيد من هناك أتوقف لأتأمل مدرستي الابتدائية، ذات البوابة الجذابة ببساطتها، وهي لا تزال كما عهدتها منتحية جانبا يبدو، لسكونه، نائيا رغم قربه من المدرستين اللتين تقاسمانه نهج الإمام سحنون.
دأبت على هذه النزهة منذ عقود ولم يحدث أن لاحظت شيئا سوى استفحال الإهمال عاما بعد عام، وتقادم المباني واستحالة ألوان الجدران من افتراض البياض إلى شحوب الرماد. إلا أن الجديد هذه المرة أني رأيت على جدران المدرسة شعارات وكتابات كثيرة كانت كلها، ويا لدهشتي، بالإنكليزية! إذ قد تكون «الإنكليزية الحائطية» معتادة في معظم بلاد الله، أما عندنا فما هي كذلك. وهذا من المؤشرات المتكاثرة على أن النشء في تونس لم يعد يعترف من اللغات الأجنبية إلا بالإنكليزية. لكنها ليست إنكليزية شكسبير ولا البي بي سي، وإنما هي تلك اللغة المبثوثة في شرائط اليوتيوب وأغاني الرقص والراب.

أما الفرنسية، لغة البلاد الثانية منذ قرن ونصف، فيبدو أن قد دالت دولتها عندنا، ولعلّها تصير بعد جيل أو جيلين مجرد ذكرى غائمة، بدليل أن سبعة آلاف من تلاميذ البكالوريا نجحوا عام 2017 في نيل علامة… صفر في امتحان الفرنسية!
على أنه يحسب للأطفال والمراهقين في تونس (وإخال الأمر كذلك في الجزائر والمغرب) أنهم راسخو الانتماء لعصرهم العولميّ، بل لعلّهم أفهم لتحوّل حال العالم وأوعى بتوازناته الثقافية من بعض ساسة أوروبا. فقد جاء في الأنباء أنه لا يوجد في حكومة جمهورية التشيك، التي ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي خلفا لفرنسا منتصف هذا العام، ولو وزير واحد قادر على تحدّث الإنكليزية! حيث اعترف 5 من 18 وزيرا أن إنكليزيتهم لا تتجاوز «المستوى السياحي» (أي بضع كلمات) بينما لا يعرف وزير المالية من اللغات الأجنبية إلا البولندية ولا تعرف وزيرة الدفاع إلا الروسية. وتعدّ الحكومة التشيكية الجديدة نقلة نوعية مقارنة بالحكومة الشعبوية السابقة، حيث أن رئيسها، أستاذ العلوم السياسية بيتر فيلا، أكد الرغبة في ترسيخ انتماء تشيكيا أوروبيّا وتعزيز انفتاحها عالميّا. إلا أن هذه المفاجأة اللغوية المربكة قد أثارت استياء الصحافة التشيكية، كما طرحت على البلاد مسألتين.
الأولى عاجلة: كيف سيتمكن الوزراء التشيك من التواصل مع زملائهم في حكومات الدول الأوروبية أثناء رئاسة حكومتهم للاتحاد؟ أما الثانية فأعمق: كيف غفل ساسة هذه البلاد التي تحررت من الاستبداد الشيوعي، والتي تتحدث لغة محلية لا يعرفها أحد خارجها، عن تعلّم اللغة العالمية السائدة التي لا غنى عنها للتخاطب مع بقية القرية الكونية؟!
لكن رغم كل هذا، ورغم سلطة الأمر اللغوي الواقع الذي تفرضه الإنكليزية، فإننا نتفهم الدعوى التي رفعتها الأكاديمية الفرنسية قبل أيام ضد إدارة وزارة الداخلية بسبب إصدارها بطاقات هوية جديدة لا تكتفي بالكلمات الفرنسية، من اسم ولقب وتاريخ ميلاد الخ.، وإنما تشفعها بترجمة إنكليزية. ذلك أن في هذا تزيّدا بيروقراطيا لا داعي له. أما ثقافيا، فإن فيه انقيادا مجانيا لسلطان لسان الأمة الهاجرة: تلك التي كانت صداع الاتحاد الأوروبي ونشازه قبل أن تصير، بفعل ما صدّقت من أباطيل دعايتها في ملحمتها الانعزالية، الأمة الوحيدة التي تهجره هجرا مليّا! لهذا حق للمؤرخة التسعينيّة الفتيّة على الدوام هيلين كارير دونكوس، التي يعرف فضلها كل مهتم بالتاريخ الروسي، أن تخوض هذه المعركة الثقافية بتفاؤل الإرادة النبيلة وفروسية الفرنسية البليغة.

القدس العربي




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد