Date : 25,04,2024, Time : 05:16:04 PM
4639 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الخميس 18 جمادي الاول 1443هـ - 23 ديسمبر 2021م 01:21 ص

من يبني السفينة في أربيل؟

من يبني السفينة في أربيل؟
علي الصراف

الجودي قريب. ولكن من يبني السفينة في أربيل؟

عاصمة كردستان العراق تغرق، وتجرف السيول منازل وجسورا وسيارات، كما تجرف ضحايا. ولكنها، برفقة محافظتي الإقليم الأخريين دهوك والسليمانية، إنما تغرق بالفساد أكثر.

فإذا ما حاول أي أحد أن يبني سفينة، داعيا الناس إلى الالتحاق به، فمما لا شك فيه أنه سيلقى السخرية. وربما أحرق “الأسايش” أخشاب سفينته وأحرقوه معها.

كردستان التي كانت حلما من أحلام الحرية والإدارة الذاتية والاستقلال السياسي، تحولت إلى مرتع لشبكات فساد ومافيات، حتى لم يعد بوسع مواطني الإقليم إلا أن يجدوا أنفسهم في كيان لا يختلف كثيرا عن الكيانات الفاشلة الأخرى، ومنها شقيقهم في الجوار (المركز).

الإقطاع السياسي الذي هيمن على مصائر 6 ملايين مواطن في الإقليم، لم يدرك ما تغير في حياتهم، ولا دوره الجديد فيها.

فعلى نحو ما أصبحت أربيل والسليمانية ودهوك مدنا عامرة. ونشأت فيها مقومات حياة مدنية ذات طبيعة مختلفة عن نمط الحياة في القرى التي كانت تجوبها مفارز البيشمركة.

العلاقة بين تلك المفارز وتلك القرى، لم تعد قائمة أصلا. قيادة البيشمركة تحولت إلى حكومة. والمدن التي كانت خاضعة لسلطة بغداد، صارت مدنهم، وهم الذين يتحملون المسؤولية فيها عن كل شيء، من تنظيم المرور إلى فتح المجاري. ومن إدارة المراكز الحكومية إلى الإشراف على التعليم والجامعات وإدارة الاقتصاد.

الأكراد لم يبقوا هم أنفسهم. التعليم والحريات المدنية والمشاركة في إعادة الإعمار صنعت منهم شعبا ما كان يُفترض أن يُحكم بإقطاع يوزع السلطة والمسؤوليات الحكومية على أفراد عائلة واحدة أو عائلتين.

الشعب شيء. والعشائرية شيء آخر.

نهضة الحركات ذات الطبيعة الإسلامية، في مواجهة هذه العشائرية، كان يفترض أن تكون أمرا متوقعا وطبيعيا. والسبب بسيط. هو أن الإسلام (بمعناه المعتدل) كان أقرب إلى الهوية الجامعة من الأيديولوجيات التي لم تجد لها طريقا في كردستان.

الشيوعيون الأكراد بقوا هم الوحيدون تقريبا، ولكنهم ظلوا يدفعون ثمن سياسات حزبهم الأكبر، ليبقوا مثل جزيرة معزولة، لا هي مدت جسورا خارج الشراكة مع الإقطاع الذي بقيت تعمل في ظله، ولا المدينة مدت إليهم الجسور بعد “تحريرها”.

ما حصل هو أن الإقطاع السياسي الذي صار حاكما، لم يمد هو نفسه الجسور مع “الشعب” الكردي الذي كان يتوجب أن يتعرف عليه، للمرة الأولى، بغير عقلية المفارز.

“إقامة علاقة حسن جوار مع الشعب الكردي”، كانت هي المهمة الأولى والأكبر التي لم يأخذ بها الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. إذ حكماه ليس كإقطاع مسلح فحسب، وإنما كمافيات سياسية مسلحة أيضا. لأنهما إذ لم يفهما الانقلاب الحاصل في وضعيتهما الجديدة كسلطة على الإقليم (ريفا ومدينة)، فقد كانت المافياوية هي الطريق الأقرب تناولا لهما. فأثْرت قياداتهما، وكدست الأموال، ونقلت جزءا كبيرا منها إلى الخارج حتى ليقال إن إحدى العائلات الكبرى تملك أكثر من مليار دولار في لندن وحدها، وعندما توفي “المالك”، تنازعت الأسرة على تقاسم الإرث. ومثلها بعض “كبار” الأسر الإقطاعية الأخرى.

“الشعب الكردي” كان في واد آخر، غير هذا الواد. الحزبان الكبيران لم يتعرفا عليه، ولم يقيما معه علاقات أخوية. وأصبحت أجهزة المخابرات تمارس دورها مثلما تفعل أجهزة مخابرات أنظمة الاستبداد الأخرى.

ظهور حركة معارضة لم يكن أمرا بديهيا فحسب، لا مدنيا طبيعيا فحسب، ولكنه كان تعبيرا عن صدمة شعبية حيال أولئك الذين زعموا أنهم جاؤوا “محررين” قبل أن يكتشف مواطنوهم الأكراد أنهم ليسوا في الواقع سوى غزاة. كانت مفارزهم ترضى بأرغفة خبز وجبن وشاي، فصارت سلطتهم لا تشبع بمليارات الدولارات.

الموارد كبيرة. فعدا عن الأموال التي يحصل عليها الإقليم كنوع من الإتاوة، في إطار نظام المحاصصة الطائفية، فإن موارد النفط الخاصة لم تكن قليلة. العام الماضي وحده تم جني 4.5 مليار دولار.

ولئن ظلت حكومات الإقطاع تمنع عن الموظفين رواتبهم، بدافع الابتزاز لبغداد، فإنها لم تلاحظ العاقبة الكامنة في أن “مواطني” الإقليم ليسوا قطعانا تُساق إلى الجوع. ليس في المدينة على الأقل.

شركة التدقيق “ديلويت” (Deloitte) قالت في تقرير عن مبيعات النفط للأشهر التسعة الأولى من عام الماضي “اكتشفنا أن 29 في المئة فقط من أموال النفط قد أعيدت إلى الحكومة”. أما الـ61 في المئة فقد دخلت في جيوب “المحررين” الأشاوس.

وتتوافر أدلة من مراسلات دبلوماسية وتقارير منظمات رقابية أجنبية كثيرة على مستويات فساد غير مسبوقة. أحد رجال الأعمال الذين حصلوا على دفع دبلوماسي للاستثمار في كردستان، رفض القيام بأي أعمال تجارية في كردستان قائلا إن “الفساد (فيها) أسوأ من بغداد”.

وفي عدة مناسبات، لاسيما في السليمانية، فعندما خرج موظفو القطاع العام في تظاهرات للتنديد بالفساد، فإنهم غالبا ما وُوجهوا بحملات ملاحقة وترهيب.

رئيس برلمان الإقليم السابق كردستان العراق، يوسف محمد، قال ذات يوم إن “مافيات الفساد أصبحت تحكم الإقليم، وإن الفساد شوّه جميع مفاصل الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية. وهو لم يتسبب بهدر المليارات من الدولارات من الثروات العامة فحسب، بل نتج عنه أيضا إغراق اقتصاد الإقليم بالديون والقروض المحلية والأجنبية”.

والقروض لتمويل “المشاريع” الوهمية كانت في الواقع واحدة من أحابيل شركاء الفساد في “العراق الجديد”، الذي أصبح تمويل الفساد في كردستان أحبولة أخرى من أحابيله.

نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، قوباد الطالباني، أقر في العام 2017، بوجود فساد في الإقليم، قائلا إن “فراعنة الفساد في الإقليم معروفون لدى الرأي العام، ويظهرون على الشاشات لشجب الفساد، ويعقدون ندوات لملاحقة الفاسدين. وهم محاطون بمسلحين ويأخذون الإتاوات والضرائب غير القانونية من أصحاب المحلات ويهددون المواطنين ويتهمونهم، وأثناء الشدائد يتركون ساحات القتال ويهربون ويبيعون أسلحتهم في السوق السوداء”.

رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، وعد غير مرة بمكافحة الفساد، إلا أن شيئا لم يتغير، حتى بدأ مواطنوه بالفرار من سلطته، وحتى بدأت أربيل تغرق.

التوقعات تشير إلى أن الفيضانات سوف تزداد، مع سقوط المزيد من الأمطار خلال هذا الموسم. والمدينة التي تحولت شوارعها إلى مستنقعات موحلة، إنما تعكس السبب الذي جعل كردستان العراق إقليما يهرب منه مواطنوه.

الإقطاع السياسي الذي عجز عن أن يفهم معنى العلاقة بين سلطة وشعب، والذي ينهب الأموال ويرسلها الى الخارج، كتعبير عن عدم الثقة بالإقليم وبشعبه، لا يملك وسائل الفهم، ولا إرادته. وهو مثلما اختار أن يقيم علاقة مع “المركز” تدفع الى تخريب العراق وبقاء نظام الفساد فيه، أملا بأن يؤدي ذلك إلى تبرير الانفصال عنه، فإنه لم يدرك أن ما يقوم على نوازع الشر، لا يصنع خيرا لأحد.

ولقد تواطأ إقطاعيو كردستان، مع أعتى الفاسدين في حكومات العراق، ليس لدفع العراق إلى الدمار فحسب، ولكن أيضا لكي يتوافق مع أسوأ ما في أنفسهم من إرادة الشر، حتى غرقت أربيل بها بالذات.

الطوفان آت.

العرب اللندينة 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد