حتى نادي غولف لبنان لم يفلت من النزاعات الطائفية في البلد.. وحزب الله يريد تجريفه

في لبنان حتى ملعب الغولف لم يبتعد عن مرمى الخلافات الحزبية والطائفية. وظل نادي غولف لبنان واحة من الخضرة والأمان وهو آخر رمز لا يشير إلى أن لبنان ينهار نحو الفوضى ويعيد الذكريات عندما كان يطلق على لبنان “سويسرا الشرق”، لكنه لم يعد كذلك. وقد أنشئ نادي غولف لبنان في عام 1923 وهو مساحة مغلقة من الخضرة في بيروت التي توسعت فوق قدرتها والتي اندلعت فيها أسوأ مواجهات طائفية منذ أكثر من عقدين بين ميليشيات شيعية ومسيحية في الأسبوع الماضي. ولم يفلت النادي كما يقول ديفيد روز، مراسل صحيفة “صاندي تايمز” الذي يجذب إليه الأثرياء البيروتيين، ومعظمهم من غير المسلمين، ويقع في حي شيعي فقير قرب مطار بيروت، من التوترات الجيوسياسية والانقسامات الاقتصادية التي يعيشها لبنان.

ولعدة سنوات يعاني سكان البلد البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة من أسوأ أزمة اقتصادية تمر على لبنان في العصر الحديث، وتحمل السكان أزمة انهيار البنوك والتضخم العالي ونقص الوقود الحاد وآثار الاحتراب الحزبي التي ظهرت آثارها على بيروت يوم الخميس. وقتل سبعة أشخاص وجرح العشرات عندما فتح قناصة النيران على مسيرة نظمها أتباع حزب الله وحركة أمل اللذين رد أنصارهما بإطلاق النار من أسلحة إي كي-47 والقنابل اليدوية والهاون في معركة استمرت أربع ساعات. واتهم حزب الله وأمل القوات اللبنانية المارونية التي يتزعمها سمير جعجع بإطلاق الرصاصة الأولى، فيما حملت إيران المسؤولية “الفتن والمؤامرات المتجذرة في الكيان الصهيوني”.

وزعم زياد حوات النائب عن القوات اللبنانية أن حزب الله هو الذي بدأ العنف أولا كجزء من عملية “انقلاب ضد الدولة”. وحدثت المواجهات على خطوط القتال السابقة بين المسلمين والمسيحيين في أثناء الحرب الأهلية في الفترة ما بين 1975- 1990، مما أثار ذكريات النزاع الماضي.

وأعلن الجيش لاحقا عن اعتقال 19 مشتبها به من “الطرفين” ولكنه لم يحدد بعد البادئ في إطلاق النار. ويتوقع حدوث جولة جديدة من المواجهات هذا الأسبوع، حيث عبر حزب الله وأمل عن عزمهما معارضة القاضي “المتحيز” الذي يقوم بالتحقيق في الانفجار الضخم في مرفأ بيروت والذي أدى لمقتل 215 شخصا.

وحاول النواب الطائفيون منع القاضي المعين طارق بيطار من مواصلة عمله والتحقيق معهم بشأن الانفجار. ويهدد عدم الاستقرار الحكومة الهشة التي أعلن عنها الشهر الماضي. وقال كريم بيطار المحلل السياسي في جامعة القديس يوسف ببيروت “سيخرج حزب الله إلى الشوارع ويلقي بوزنه في المعركة، مما قد يقود لمواجهات تزعزع كيان كل البلد”. وبنظرة سريعة يبدو نادي غولف لبنان كصورة عن الأيام السعيدة قبل الحرب الأهلية عندما اكتسبت بيروت شهرة ساحرة “باريس الشرق الأوسط”، وهو النادي الوحيد من أربعة نواد للغولف في لبنان لا يزال مفتوحا. وتم نقله عام 1963 لفتح المجال أمام المطار الجديد.

وكتعويض له منح النادي أرضا بإيجار اسمي حيث يتمكن أعضاؤه وضيوفه من لعب التنس والسباحة وتناول الشراب في البار. لكن عمدة المنطقة هو من داعمي حزب الله ويقول إن النادي يعيش على وقت مقترض حيث “يدفع أقل من سنت” كإيجار على الأرض المملوكة للدولة ومساحتها 100 فدان ولم يدفع الضريبة للسلطات المحلية منذ 5 أعوام وهو ما حرم السلطات المحلية من تطوير البنى التحتية وتحديث البيوت وإنشاء المراكز الصحية والمدارس الجديدة.

ويريد معن خليل، من مجلس غبيري تجريف النادي وفتح المجال أمام بناء محطة توليد للطاقة تمولها إيران التي لا تبعد سفارتها عن النادي كثيرا. وجاء مقترحه بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان بيروت ولقائه مع المسؤولين بداية هذا الشهر في وقت كان لبنان يعاني فيه من أزمة للطاقة وأعلن عن استعداد الشركات الإيرانية بناء محطتين للطاقة في 18 شهرا. ورد خليل بمنشور على فيسبوك في 8 تشرين الأول/أكتوبر “نرحب بالعرض الإيراني توفير بناء محطة طاقة بقدرة 1.000 ميغاوات في أراضي نادي الغولف في غبيري”، وهو ما دعا إلى رفض وعملية شجب من حلفاء حزب الله المسيحيين والدروز وكذا حركة الدفاع عن البيئة اللبنانية والتي قالت إن “رئة الحي الجنوبي عرضة للتهديد”.

إلا أن الخطة ضربت على وتر حساس لسكان جنوب بيروت الذين يعانون من انقطاع متكرر للكهرباء وعدم توفرها إلا ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم، ولا شيء عندما توقفت محطتي الطاقة الرئيستين في دير عمار والزهراني عن العمل. وقال فؤاد، 35 عاما وهو لاجئ سوري يعيش في مخيم شاتيلا، أكثر المخيمات حرمانا في لبنان، إنه بالكاد يستطيع شراء ما يكفي لتشغيل مروحة وعدد من الأضواء من مولد محلي. و”ثلاجتنا لا تعمل” و”الأسوأ هو توقف المضخة التي تضخ الماء إلى المخيم وتزود البيوت وأحيانا لا تعمل بشكل جيد، لأن الدولة لا توفر الطاقة الكهربائية”.

ويقول محامي النادي عماد حمدان إن مبلغ 350 مليون ليرة لبنانية (229.000 جنيه إسترليني) التي يتهم المجلس النادي بعدم دفعها منذ 2016 لا أساس قانونيا لها، وعبر عن أمله بحل المشكلة قبل نهاية العام. ويرى مدير النادي كريم سلام أن النادي استخدم ككبش فداء “لأن الناس غاضبون من وضع الكهرباء، فالسبب الذي قدم هو أن النادي هو المسؤول”. ومثل بقية المصالح التجارية اللبنانية فقد تأثر النادي بانهيار العملة اللبنانية التي خسرت 90% من قيمتها خلال العامين الماضيين وارتفاع أسعار البترول. ولم يعد يتلقى طلبات انضمام جديدة بسبب سعر الصرف المتقلب وعدم الوضوح بشأن المستقبل.

ويرى المحللون أن عرض إيران بناء محطة طاقة كهربائية إلى جانب توفير الوقود عبر سوريا في تحد للعقوبات الأمريكية هي محاولة لتقريب لبنان أكثر من الفلك الإيراني، وبخاصة أنها تدعم حزب الله وبقية الجماعات المسلحة في المنطقة. وقال هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت إن “حزب الله هو القوة المهيمنة في لبنان الآن، وهي حركة سياسية لا تلتزم بقواعد اللعبة العادية بمخزون من السلاح، ولهذا ففي عين الكثير تمت خسارة البلد”. وعرضت إدارة جوي بايدن تمويلا جديدا للجيش اللبناني وانتقدت حزب الله لإحضاره النفط من إيران بأنها “خبطة علاقات عامة”. ومنذ عام 2019 غادر أكثر من 30.000 لبناني البلاد وانضموا إلى عدد متزايد من اللبنانيين في الشتات، بمن فيهم 40% من أطباء البلد و30% من ممرضيه.

وقال فابريزو كربوني، المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر إنه شعر بـ “الصدمة” عندما زار لبنان الأسبوع الماضي وشاهد أثر الأزمة على الناس “الشوارع فارغة، والشعور قاتم، وذهبت إلى الحمراء وكانت مظلمة وكئيبة، ومن الصعب تخيل أن هذا المكان كان يعج بالحياة قبل عامين، لقد صدمت”. و”كعمال في المجال الإنساني نحاول مواجهة التداعيات الناجمة عن العنف والكوارث الطبيعية والنزاع ولكننا نواجه هنا أزمة مالية وهي ضخمة، ليس لأنها لم تؤثر على أصحاب الدخل المحدود بل هي واسعة ولا يمكن لكبرى المؤسسات في البلد تجنبها”.

ويأمل الجيل الشاب أن تؤدي الانتخابات المقبلة والمقررة في آذار/مارس المقبل لوصول شخصيات مستقلة تعمل لمصلحة الوطن وليس لمصلحة 18 طائفة تشكل لبنان. وقال نعمة افرام الذي استقال من البرلمان العام الماضي بعد انفجار مرفأ بيروت ويخطط للترشح في انتخابات العام المقبل تحت شعار جديد “مشروع الوطن” إن لبنان “قد يكون جسرا بين الشرق والغرب ولكن عليه الحفاظ على حمضه النووي” و”نحن بحاجة لبناء عقد اجتماعي جديد، ولن نقبل أننا ملعب تجرب عليه كل تحديات الشرق الأوسط. وعلينا مساعدة أنفسنا والتأكيد على أننا لسنا غنيمة في أي نزاع ولا نريد أن نكون جائزة أي أحد”.

صاندي تايمز