في ظل القيود المصرفية بلبنان انتشرت ظاهرة بيع المودعين أموالهم بشيكات أقل من قيمتها الحقيقية

تحت عنوان “مال للبيع: المودعون اللبنانيون يبيعون الشيكات بنصف سعرها” نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسلتها كلوي كورنيش قالت فيه إن جمال كان بحاجة ماسة لسحب رصيده من حسابه البنكي في لبنان لدرجة أنه وافق على عمل لا يمكن لشخص آخر في العالم فعله، فقد باع شيكا بنصف قيمته وقال “نعم، أخذ أحدهم نسبة 50% من أموالي، ولكني كنت سعيدا جدا” لإخراج المال من البنك. وكان بيع الشيك هو جزء من ترتيب لشراء شقة في دبي، وبالنسبة لجمال فحصل على ما يريد.

وتقول كورنيش، إن الخلل السياسي دفع هذا البلد على ساحل المتوسط للانهيار- ففي يوم السبت توقفت محطتا توليد الطاقة تابعتان للدولة عن العمل بسبب نقص الوقود، مما أدى إلى انقطاع مؤقت للتيار الكهربائي عن كل لبنان. وقبل عامين فرضت المصارف اللبنانية قيودا قاسية على سحب الأموال وتحويلات العملة الأجنبية مما أدى إلى سوق سوداء للشيكات بمليارات الدولارات التي ظلت محجوزة في المصارف التي أطلق عليها “دولارات محلية” أو “لولار”. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية تراجعت قيمة شيكات لولار إلى نسبة تصل لـ 15% من قيمتها الاسمية، بشكل يعكس غياب الثقة في النظام المصرفي اللبناني.

وعادة ما يقوم رجال الأعمال بشراء الشيكات وإيداعها في البنوك لسداد القروض. ويقول سامي عطا الله، مدير “مبادرة السياسة” في بيروت “اكتشف المزيد من المودعين المطلعين أن المال ذهب” من النظام المصرفي و “ليس لديهم ثقة بالنظام المصرفي أو أن الحكومة ستعوضهم أو سيستعيدون المال”. وتعلق الصحيفة أن هذه السوق السوداء غير العادية تؤكد على التحدي الذي يواجه الحكومة الجديدة التي يقودها الملياردير نجيب ميقاتي.

وعليها مع بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أن تبحث عن طرق لإنقاذ النظام المصرفي الذي كان مرة مركز النظام المالي في المنطقة وتعمل بالتالي على إنقاذ ما تبقى من أموال التوفير التي أودعها المواطنون. وتنبع المشكلة في جزء منها من التشابك العميق بين المصرف المركزي والدولة، فـ 70% من الأصول المالية مكشوفة على الدولة المثقلة بالديون، حسب البنك الدولي، بما في ذلك جزء كبير من سندات اليور المتعثرة. وقدرت الحكومة السابقة في 2020 أن مصرف لبنان خسر وحده 50 مليار دولار.

وقالت ديانا ملحم، المديرة الإدارية لجماعة “كلنا إرادة” إن الحكومة والمصارف والمصرف المركزي بحاجة بداية للموافقة على حجم الخسائر والاتفاق على كيفية إعادة هيكلتها حتى يستعيد النظام البنكي قدرته. و “هذه هي أول خطوة، فوقف النزيف وتنظيف النظام أمر ودفع الاقتصاد مرة ثانية هو أمر آخر. ويقول الاقتصادي أندي خليل إن السلطات “بحاجة وبشكل كامل لحل مشكلة هذا لولار” و “لا يمكن أن تكون لديك عملة تطلق عليها الدولار الأمريكي ولكن تسعيرها في السوق أقل من الدولار”. ونسبة 80% من الأموال المودعة في البنوك اللبنانية مقومة بالدولار. لكن الدولارات التي أودعت في البنوك قبل الأزمة لا يمكن سحبها إلا بالعملة اللبنانية المسعرة بـ 3.900 ليرة أمام الدولار. وهو سعر أقل من السعر الموازي في السوق السوداء مما يعني خسارة المودعين نسبة 80% من أموالهم في كل مرة سحبوا فيها أموالهم. ويمنع التحويل الأجنبي تقريبا. وحتى السحب بالليرة اللبنانية مقيد ويتم بيع الشيكات بالعملة المحلية بأسعار مخفضة.

وناقش رياض سلامة، حاكم المصرف المركزي أن المودعين يريدون قص شعورهم عندما يقررون سحب أو بيع الشيكات المصرفية وأن أموالهم المودعة آمنة. ولكن الممولين الحاليين والسابقين ناقشوا أن المودعين ليس لديهم الراحة للانتظار حتى حل المشكلة. وقال مصرفي بارز سابق “إنه مثل الطلب من شخص أن يقفز من الطائرة بدون مظلة”. وترى الصحيفة أن الاتجار بالشيكات يفسر انخفاض الإيداعات والقروض في البنوك- وتراجع إيداعات العملاء، المواطنين وغير المواطنين في القطاع المصرفي بالدولار أو الجنيه من 170 مليار دولار بداية عام 2019 إلى 131 مليار دولار في تموز/يوليو، حسب أرقام البنوك.

وفي الوقت نفسه وصلت القروض للمواطنين وغير المواطنين إلى النصف في نفس الفترة، من 59 مليار دولار إلى 31 مليار دولار. ويعمل في تجارة الشيكات تجار محليون، وقال أحدهم إنه ربح منذ 2019 حوالي 150.000. ويقوم بجمع المشترين والباعة من خلال مجموعات على واتساب ويتاجر بآلاف وعشرات الآلاف من الدولارات. لكن الصفقات التي تتراوح ما بين مئات الآلاف والملايين تتم عادة بين التجار المرتبطين بشكل جيد. وفي النهاية فتجارة الشيكات هي عرض عن فشل الدولة لإدارة الأزمة من خلال تطبيق قانون يتحكم برأس المال وسعر صرف موحد، كما تقول ملحم و “بدلا من ذلك فتلكؤ الحكومة والبرلمان المقصود أدى لخسارة المودعين الصغار الكثير”. وبالنسبة لمن باع بشكل مبكر مثل جمال فقد خسروا الأقل. وقال أحد تجار الشيكات: “قلت لأخي في البداية (الأزمة) عليك أن تقلل من خسائرك” و “هذا أحسن من خسارة كل شيء ولم يستمع لي”.

فايننشال تايمز